خلق الإنسان بطبعه كائناً اجتماعياً ، يحب تكوين العلاقات وبناء الصداقات مع نظرائه من بني البشر ، فالفطرة السليمة التي يتمتع بها تحتم عليه استهجان الانطواء وتنأى به عن العزلة والانفرادية ، فهو يسعى جاهداً إلى تمتين روابط أسرته التي تقوم على أساس النسب والدم ، ثم توسيع دائرة معارفه لتشمل زملاءه الذين يحيطون به في الحقل والمعمل والوظيفة ، وكذلك أصدقاؤه الذين يتبادلون معه هموم الحياة وشؤون الفكر والثقافة . ولكن كيف لهذا الإنسان أن يبني علاقات قوية مع الآخرين يسودها الاحترام والتقدير ؟ بل كيف له أن يتجنب الحروب الكلامية الشائعة في هذه الأيام من تخوين وتصنيف وتبادل للاتهامات ؟ اعتقد جازمة أن الحل يكمن في الحوار البناء والمهارة في التواصل والصدق في النوايا والغايات .يقول المولى عز وجل :” وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ، ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ” .الله يوصي رسولنا الكريم أن يدفع بحلمه وصبره جهل الذين ضلوا سبيل السواء وأن يعفو عمن أساؤوا إليه ،لأن الحكمة تقتضي أن يكون النقاش معهم مٌجدٍ وليس عقيماً بل مثمراً يمكث في الأرض وينتفع به ، فقد يتحول العدو الذي كان يؤذيه في السابق إلى نصير له وصديق حميم .إن لغة العنف لا تولد إلا عنفاً ، وإن لغة التهديد والكراهية لا تجلب إلا مزيداً من التشرذم وشقاً في النسيج الاجتماعي ، ولو تخيلنا أن كل إساءة ستُقابَل بمثلها فمتى ستنتهي الإساءة ؟ ولو أخذ كل منا حقه بيده متأثراً بموروثه الثقافي الخاطئ الذي يدعوه إلى الإغارة وقطع الطريق ودق الخشوم ، لغدت الحياة بلا ضوابط كأنها غابة مستعرة ، تٌسلبٌ فيها الحقوق وتظلم الأقليات وتداس الكرامات، فيصبح القوي متحكماً بمصير الضعيف ، والغني سارقاً عرق الكادحين ولصار الأطفال بين المتصارعين ضائعين ، أما حين نلجأ إلى القانون والقضاء ، ونتحاور بعقلانية بعيداً عن العصبية القبلية وشخصنة الأمور وإقصاء الآخر ونرتقي في درجة الحوار ، فنحن نمتثل إلى قول الله : ” قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ ” ونحن أيضاً نقضي على النزاعات والخصومات ، ونعيش حالة من السلام جنباً إلى جنب مع باقي الطبقات والأعراق والجنسيات وأصحاب المذاهب والأديان المختلفة .الحوار نافذة نور نطل بها على العالم ، علينا أن نمتلك زمامه وأن نكرسه عنواناً للمرحلة القادمة كأحد الأهداف الإنسانية التي تعزز المصالحات بين أبناء الوطن الواحد ، وتعيد للمنطقة الأمن والأمان ، وللشعب المكلوم حقه في العيش بعيداً عن مشاهد القتل والدمار والتغول في سفك الدماء .

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *