يقول الإمام الشافعي :
ولا خير في ودّ امرئ متلون
إذا الريح مالت مال حيث تميل

فما أكثر الإخوان حين تعدهم
ولكنـــــــــهم في النائبات قليل

كم هم كثيرون الذين يدّعون الصداقة ويتغنون بالحب ويجاهرون في الولاء ولكنهم في الحقيقة يجافون ما يضمرون وتطلعات ما يطمحون ، تفتخر بهم كأصدقاء أوفياء وزملاء ثقاة ، ولكنهم للأسف ، ومع أول اختبار وأول هبوب ريح التغيير، يظهر المارد القابع في داخلهم ، ويتبدل الهوى في مشاعرهم ، ويتدنى الاسلوب في تعاملهم ،فتصاب حينها بخيبة أمل وتقعد ملوماً محسوراً . هؤلاء هم المتلونون ، ويطلق عليهم في علم الأخلاق ومنظومة القيم ” المنافقون ” ، وقد قال فيهم رسولنا الكريم : ” أنهم إذا حدَّثوا كذَبوا ، وإذا وعدوا أخلفوا ، وإذا اؤتُمِنوا خانوا ” .

شهد التاريخ أحداثاً مريبة اقترفها المنافقون على مدى الزمان والعصور ، أثارت البلبلة وزعزعت الأمن والاستقرار ، برزت جليّاً في واقعة الإفك على السيدة عائشة ، وفي مقتل الفاروق عمر بن الخطاب ، والخليفة عثمان بن عفان ( رضي الله عنهم) ، وبناء مسجد ضرار بالمدينة المنورة ، وفي تحريض المغول على اجتياح عاصمة الخلافة الاسلامية . وحيث أن ميزان الإخلاص والتجرٌّد في النفس قد اختلّ لدى هؤلاء المنافقين ،

وتعذر عليهم أن يشعروا بفساد أعمالهم وشرِّ أفعالهم ، نراهم في عصرنا الراهن يركضون في المحافل والمناسبات وراء منافعهم الشخصية ، يبيعون ويشترون بقضايا وطنهم ، ويخونون الأمانة ، ويحتالون على الأحكام الشرعية بالغش والتدليس ، يعتلون المنابر الإعلامية ليعزفون على وتر الطائفية والمذهبية وتكفير الآخرين ، وحين يلتقون من هو بموقع المسؤولية واتخاذ القرار يتملقون ويتزلفون، وحيث يتوجب عليهم التقيد بالنظم واللوائح القانونية يلتفون عليها بالرشاوى والتجاوزات ، وعندما يحتاجهم الوطن لأداء الواجب ينأؤن عنه ويهربون ، وحين يطلب منهم التبرع لمشاريع إنسانية يشكون سوء الأحوال المادية ويتباكون ، وفي حملات التطوع لإغاثة الجرحى وايواء المشردين يتباطؤون ، ” فكيف نصدقهم وهذا أثر فأسهم على رأسي ” ؟ !! ..

ما أجمل الصدق في الكلام والاتقان في العمل ، وما أعظم حمل راية الإعمار والبناء ، وما أنبل أن تغضب للوطن من المتلونين والمتنفذين وتسعى جاهداً إلى رفع مكانته وإعلاء شأنه بعيداً عن المزايدات والمتاجرة بالشعارات.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *