ذكريات مدرستي عبرت أفق خيالي، وأطلقت بواعث الحنين في داخلي، فكيف أنساها وهي تسكن في دمي وروحي ، فمنها استقيت علمي وإليها يعود الفضل في تشكيل شخصيتي التي خضت برواسيها عباب بحري المتلاطم الأمواج .هذه المدرسة التي قدر الله لي أن أكون إحدى طالباتها، تقع في مدينة دمشق الفيحاء. كم أتوق إلى زيارتها بين الفينة والأخرى، لأتفيأ بظلال أشجارها، وأسمع خرير جدول ماءها المنسكب بين سواقي حديقتها الغناء، وكم أنا في شوق لسماع أصوات معلماتها الفاضلات اللواتي نجحن في التربية كما التعليم وخرّجن كفاءات واعدات يشار إليهن بالبنان. أرجو الله أن تعمم صورة مدرستي هذه التي أحب أرجاء بلادنا الغالية ، وأن أجد في كل هجر وقرية ومحافظة ومدينة فيها مدرسة انموذجية تمتلك كل مقومات النجاح في الشكل والمضمون.

من المؤسف أن نرى صورة المدرسة قد أطرت في أيامنا هذه ، وصارت المكان الذي لا بد لأبنائنا من الرحيل إليه قسراً أو طوعاً ، ومن ثم مغادرته في نهاية العام وهم فرحين لأنهم لن يعودوا إليه ثانية إلا بعد قضاء عطلة صيفية طويلة ! ؛ فلا شوق لأيام الدراسة ، ولا حنين لرؤية معلم فاضل ، ولا اهتمام بكتاب نهل منه علماً نافعاً ؟ فهل هذا هو المشهد التعليمي الصحيح ؟ !

يتوجب علينا إعادة الاعتبار لهؤلاء المعلمين الذين قال فيهم الشاعر أحمد شوقي : (قم للمعلم وفّه التبجيلا …كاد المعلم أن يكون رسولا) ، ولهذه المدرسة التي خفت بريقها وكسرت هيبتها ، بحيث نسعى إلى تحسين صورتها الذهنية ، ونسعى جاهدين إلى تجميل شكلها الهندسي ، لتظل شامخة مئات السنين وصرحاً حضارياً على مدى الزمان ، فهناك نماذج حية لمدارس عريقة في تاريخنا العربي أثرت المشهد التعليمي وخرجت العلماء والمفكرين وكانت بمثابة جامعة لمختلف أنواع العلوم والمعارف، ومنها على سبيل المثال : مدرسة الناصر محمد بن قلاوون وهي إحدى تحف مدينة القاهرة بفنها المعماري، والمدرسة الجقمقية في دمشق زمن العهد المملوكي والتي تميزت بزخارفها واعتبرت آية في الفن والجمال.

علينا الاعتناء بصحة الطالب الجسدية وسلامته الفكرية ( العقل السليم في الجسم السليم ) ، بحيث يتم دعم المدارس بأطعمة مختارة يتناولها الطالب مع كل يوم دراسي ، وعلينا الاهتمام أيضاً بلباسه المدرسي الذي يجب أن يكون مريحاً وأنيقاً يساعده على الحركة ويعزز ثقته بنفسه ، ولا غضاضة أن نستشير في ذلك المختصين من بيوت الأزياء الشهيرة .

ونحن نعاصر هذا العهد الميمون الذي يؤسس للتحديث والتحول الوطني، ويركز على أهمية الجدوى الاقتصادية في إنجاز كل مشروع يوقف الهدر ولا يبدد ثروات البلاد، ويدعو إلى الصراحة والشفافية والتخطيط السليم، فإني أرى أن أفضل خطة استراتيجية تتبناها وزارة التعليم من أجل تحقيق التمية المستدامة والوصول بالمجتمع إلى مستوى الطموح وتحقيق الآمال، هو الاستثمار البناء في خلق الطالب السويّ الذي يتلقى تربية صحيحة ضمن بيئة تعليمية جاذبة، وداخل أسوار مدرسة عريقة يحلم بها وينتمي إليها .

قال الأمير محمد بن سلمان في الجلسة الخاصة لبرنامج التحول الوطني 2020م : ” لا بد لنا أن نحلم ونأمل ونبني آمالنا وتطلعاتنا على الخطط والإنجاز والعمل”.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *