قبل سنتين من الآن ، قدر لي أن أزور لندن ، وهناك في أحد شوارعها الهامة وبالتحديد في الاوكسفورد ستريت ، شاهدت شباباً ملتحين وقد بدت عليهم مظاهر التشدد الإسلامي يوزعون منشورات تدعو إلى محاربة الكفار والمشركين ، وبالقرب منهم يقف رجل الأمن البريطاني الذي كان يقوم بأداء واجبه الوظيفي في حمايتهم وضمان فرص نجاح ما يدعون إليه !!! إنها صورة عجيبة ومنظر أليم ، فواحد يكيد لك العداء ويتمنى لك الدمار والخراب والآخر يستبسل في إنقاذك من براثن الموت وشرر الأفعال .. الآن وبعد مضي عامين من تلك المشاهدة الغريبة يضرب الإرهاب بريطانيا وتستهدف بلد الحريات العامة والتعددية الثقافية والتنوع الاجتماعي ؟ فما الذي دفع هؤلاء اللاجئون الذين احتضنتهم بريطانية ومنحت الكثير منهم حقوق المواطنة والإقامة الدائمة أن يكيلوا لها السهام ويعلنوا عليها الحرب ويصبح المجتمع فيها مشروعاً لهجماتهم الارهابية وأهدافهم العدوانية ؟. تاريخياً هناك شعب فلسطيني في الشتات يحمّل السياسة الخارجية في بريطانية مسؤولية قانونية وأخلاقية عن ضياع فلسطين وتسليمها الصهاينة منذ صدور وعد بلفور المشؤوم عام 1917م ، وهناك أيضاً من يحملها مسؤولية غزو العراق وسقوط بغداد عام 2003م وما تمخض عنه من قتل وتشريد الملايين . في بريطانية يجتمع العديد من المعارضين السياسيين العرب والأجانب ، وكذلك الفارين من الأحكام القضائية والمتطرفين الذين وجدوا فيها الملاذ الآمن ،فأسسوا صحفاً ومؤسسات إعلامية وشكلوا أحزاباً تدعو للعنف والفوضى وتحرض على قلب الأنظمة والافتئات على الحكام . ومنهم على سبيل المثال سعد الفقيه ومحمد المسعري من السعودية ، وحمد بن جاسم من قطر عرّاب ما يسمى بثورات الربيع العربي ، أبو حمزة المصري الذي حكم عليه بالسجن لمدة سبع سنين ، أبو قتادة الأردني الذي لجأ إلى بريطانيا بدعوى الاضطهاد الديني، وأسس كتاباً ينظر فيه للحركة السلفية الجهادية التي ترتبط بالقاعدة وطالبان . ومع ازدياد الشحن والتحريض تنامى خطاب الكراهية في بريطانية ضد المهاجرين من المسلمين وبتنا نرى حوادث دهس وطعن لمصلين أبرياء تأتي انتقاماً لضحايا عمليات ارهابية من غير المسلمين . بريطانية المعاصرة أصبحت مليئة بالصخب الإعلامي ومرتعاً للخلايا النائمة ،وأرضها صارت تجمعاً للمتآمرين ، ومنصة للشتم والردح والتخوين ، فهل سيتغير قانون الهجرة فيها ويتوقف شذاذ الآفاق عن السعي في الأرض خرابا ؟.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *