التفاوض بعيدا عن ويلات الحروب

• بهيرة محمود الحلبي

عندما تندلع الحروب بين الدول أو بين الدولة والشعب أو بين الطوائف المختلفة لمكونات هذه الدولة أو تلك ، فإنها لا شك تخلف وراءها الويل والثبور وعظائم الأمور من كوارث بشرية وعمرانية إلى تهدم للتاريخ ومحو للهوية إلى اقتطاع للأرض وتغير في التراب الجغرافي.
وللأسف الشديد ، فقد اندلعت في عالمنا العربي ما اصطلح عليه ” الربيع العربي ” الذي لم يكن إلا خريفاً كارثياً طرح الفوضى وأضعف المنطقة وأدى إلى مزيد من تشتيت الأمة، وزعزعة استقرار بلدانها، وتنامي ظاهرة الإرهاب والتشدد والتطرف فيها. وقد أفرزت هذه الحروب مئات الآلاف من الشهداء وقائمة طويلة من الجرحى والمقعدين وذوي العاهات والتشوهات ، والمرضى النفسيين ، ودمار كامل للممتلكات وخراب في البنى التحتية ومجاعات واستنزاف للموارد البشرية والأولية وتشريد للآمنين وغرق لللاجئين من أطفال وشيوخ ونساء. ومن ويلات ما أفرزته تلك الحروب هو الانحلال الخلقي الذي أصاب بعض أفراد الأمة في مقتل ، وما شبكة الدعارة التي اكتشفت مؤخرا في لبنان والمتاجرة بالجنس البشري إلا أكبر دليل على آثار تلك الحرب ، حيث استباحت تلك العصابة حاجة بعض السوريات الحرائر إلى العمل والكسب الشريف ليتم استدراجهن واحتجازهن في دار مشبوهة وإرغامهن على البغاء تحت لسعة السوط وعذاب النفس لعدة سنوات ..وهناك أيضاً من أفسدت الحرب تربيته من فئة الأطفال والمراهقين وحرفتهم عن الطريق الصحيح فأصبحوا نتيجة لحالة التشرد التي تلازمهم عرضة لتعاطي المخدرات وفريسة سهلة في أيدي المجرمين وقطاع الطرق والارهابيين ، أما من تربح من الحرب واغتنى فتلك حكاية أخرى وجرح أعمق ، فهناك فئة تدعى بتجار الأزمة استغلت لقمة عيش المستضعفين وتعالت على صراخهم واحتكرت السلع الأساسية وغشت في المواد الغذائية.. وما يدور في سورية من حرب لم تبق ولم تذر منذ أكثر من خمس سنين لأكبر شاهد على مأساة العصر ، حيث تسفك على أرضها الدماء يوميا وتقطع فيها الأجساد البشرية إلى أشلاء ، وتحرق بها المدن ويمحى فيها التاريخ العريق. ألا يمكننا أن ننقذ ما يمكن إنقاذه ، أما آن الأوان لأن يجلس الفرقاء والمتخاصمون على طاولة المفاوضات ويتحاوروا وهم أهل وأقارب وأبناء بلد واحد ، ألا يجب حماية ما تبقى من أوابد تاريخية وعمران غاية في الدقة والتصميم ، أدرجت أسماؤها كمواقع أثرية هامة في منظمة اليونيسكو العالمية ، ألا يجب المحافظة على الصروح العلمية من جامعات ومدارس ومكتبات شهيرة تحتوي على المخطوطات الاسلامية النادرة والكتب والمجلدات والوثائق التي تحكي قصة أمة كان لها شأوها في مختلف العلوم والمعارف ، ألا يمكن المحافظة على أسواق الحرف والمهن اليدوية وحماية الثقافة الشعبية والعادات الأصيلة من الاندثار والتي لطالما تباهى بها أبناؤها ، أما حان الوقت للاحتكام إلى شرع الله والأخذ بحديث رسوله الكريم : ” لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم”. ألا يمكننا الاستماع إلى منطق العقل وإلى نداء القلب وصوت الضمير وبذل أقصى ما نستطيع لإيقاف الاقتتال وانهاء معاناة المدنيين الذين ما يزالون يرزحون تحت الضرب والقصف لا حول لهم ولا قوة ، ويتعرضون يومياً لآلة الحرب والدمار ويواجهون أقصى ظروف العيش من شح في الخدمات ونقص في الأدوية والمستلزمات الطبية وغيرها الكثير من الاحتياجات الضرورية ..أيها المفاوضون في جنيف وغيرها يامن تنشدون السلام ، لقد طمى الخطب حتى غاصت الركب ، تعالوا إلى كلمة سواء واخلصوا لسوريا الحبيبة ْ ، واجعلوا من مهارات الدبلوماسية والتسويات التفاوضية وسياسة الاحتواء هي الحاضرة في محادثاتكم وستتوصلون بإذن الله إلى حل يعيد الأمن والأمان لهذا البلد الجريح ، ويخلص البشرية من شبح الارهاب وأشرار الخلق والخليقة.
حفظ الله بلاد الحرمين الشريفين وكفى الله الانسانية جمعاء شر الفتن ما ظهر منها وما بطن . “ربنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ” صدق الله العظيم.
Twitter:@bahirahalabi

التصنيف:

One Response

  1. لقد أصبت يا أستاذة بهيرة . ويبدو انه في حالتنا غاب العقل وحل الجنون .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *