يقول الشاعر سحيم بن وثيل الرياحي معتزا بشجاعته وطيب أرومته مفتخراً بعشيرته :
أَنَا ابنُ جَلَا وطَلَّاعُِ الثَّنَايَا متَى أضَعِ العِمامَةَ تَعرِفُوني
وَإِنَّ مَكَانَنَا مِنْ حِمْيَرَيٍّ مَكَانُ اللَّيْثِ مِنْ وَسَطِ الْعَرِينِ

التواضع هو من حسن الخلق ، وهو سمة تميز البشر، حرصت الأديان السماوية على التحلي به والمضي في طريقه ، أما التكبر والاستكبار وحب الذات وإيثارها على ما هو سواها ، فهو سلوك ذميم وفعل بغيض ، يخلق بيئة من الكراهية وحالة من الأنانية تنعكس سلباً على سمعة الإنسان وتعيق تقدمه وتجعله حبيس أفكاره وأوهامه . لقد استكبر ابليس وعصى أمر ربه حين أبى أن يسجد لآدم عليه السلام لأنه مخلوق من نار وآدم من تراب ، فاستعلى على الإرادة الإلهية فكان مصيره الطرد من الجنة يقول المولى : وإذ قلنا للملائكة :” اسجدوا لآدم ، فسجدوا إلا ابليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ” ،

كما استكبر قارون على الناس بسبب غناه وكثرة ماله وقال: إنما أوتيته على علم عندي، ولم يذكر نعم الله عليه، فكان جزاؤه في الدنيا أن خسف الله به وبداره الأرض .. جاء الإسلام بتعاليمه الصحيحة فنبذ الألقاب وآخى بين الناس ونشر أفكار التسامح والمحبة وكان لنا في رسول الله أسوة حسنة ، وقدوة مثالية في التواضع ، فقد ردّ النبي على رجل جاءه مرتعداً يوم الفتح قائلاً له :” هون عليك؛ فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد “,

كما يذكر التاريخ أن الصحابي الجليل مالك بن دينار، مر عليه أحد المتكبرين وكان يتبختر في مشيته، فقال له مالك: أما علمت أنها مشية يكرهها الله إلا بين الصفين؟ فقال المتكبر: أما تعرفني؟ قال مالك: بلى، أوّلك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة، فانكسر وقال: الآن عرفتني حق المعرفة .نعم فالإنسان الذي يتعالى على الآخرين بما وهبه الله من ميزات وما أنعم عليه من ثروات يعتبر مغرورا وتلك صفة صنفها علماء النفس ضمن الإعاقات الفكرية التي تجعل المصاب يتمحور حول ذاته ويعتقد أن ما وصل إليه كاف لإبهار العالم المحيط به، فيتوقف عن الاستمرار في التحصيل العلمي ويتأخر أداؤه العملي، ويفشل في بناء علاقات طبيعية مع أبناء مجتمعه وفي نطاق أسرته. وفيما يتعلق باستكبار الدول والحكومات على شعوب الأرض فتلك حكاية ثانية ، لقد استكبرت أمريكا على دول العالم الضعيف فلم تذعن لحقوق الآخرين في العيش الآمن ونكثت في العهود ولم تلتزم بالمعاهدات وتدخلت في الشؤون الداخلية للبعض منهم ، وغزت البعض الآخر كالعراق وأفغانستان بدواعي الحرب على الإرهاب وتجفيف منابعه فجاءت النتيجة أن أَفُلَ السلم الاجتماعي ودخلت تلك البلاد في اتون الحروب الأهلية المدمرة . علينا أن نعترف بأن الاستكبار عيب وأن تخليص المتكبر من إعاقته واجب ، والتوقف عن معاملته على أنه شخص عظيم ضرورة حتى يعي حقيقة نفسه ويدرك أن الاستمرار في التعالي والصلف سيزيد من أعداءه ، وسيحجب عنه رؤية الواقع وتلمس احتياجات الآخرين ، وأن قيمة الإنسان هي بحجم ما يقدمه من خدمات لمجتمعه وما يكتنزه من علوم ومعارف وما ينتجه من ابتكارات وإنجازات :
ملء السنابل تنحني بتواضع .. والفارغات رؤوسهن شوامخُ

Twitter:@bahirahalabi

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *