ليس اليتيم كل من فقد والديه

• بهيرة محمود الحلبي

ليس كل من غيب الموت والديه صار يتيماً ، فقد يلقى أيادي حانية تتبناه وتحسن تربيته ،وليس كل من ساكن أبويه بات سعيداً ، يعيش دفء الأمومة وعطف الأبوة ، فاليتيم الحقيقي هو ذاك الإنسان الذي قدّر له أن يعيش في كنف أسرة مفككة تتعامل معه بأنانية مفرطة تحرمه من أبسط حقوقه في الاهتمام والرعاية ، وهذا هو أحد الشعراء يقول :

ليس اليتيم من مات أبواه وتركاه ذليلا …إنما اليتيم من له أما تخلت أو أباً مشغولا

ولعل من أسباب تفشي حالة اليتم بين الأطفال والمراهقين والشباب ، هو إهمال المجتمع بهم وتخلي الأبوين عن مسؤوليتهم ، فترى الأب يلهث وراء جمع المال والثروة وآخر يفضل السهر وقضاء الوقت مع الأصحاب والخلان ، وغيره عدّد في الزوجات وأكثر من الأنجاب ولم يعد وقته يسمح في توزيع الحب والوئام بين كافة أفراد الأسرة الواحدة ، ومن جهة أخرى هناك أمهات انشغلن في الزيارات وتلبية الدعوات والثرثرة مع الصديقات والاعتماد على الخادمات في تدبير أمور الصغار والكبار دونما الأخذ بالحسبان فلذة الأكباد وحفظ الأمانات ..

قد يحرم الإنسان من حقه في التعلم فيصبح يتيما في الساحة الثقافية ، وقد يفقد أعزاء له في ساحة الوغى نتيجة الكوارث والمحن فيصير يتيماً في الحياة الاجتماعية ، وقد يضطر الإنسان أن يهجر وطنه بسبب الحروب والغزوات ، فيكابد الغربة ويتجرع لوعة الفراق ويصبح كاليتيم الذي ضيع غالياً كان يقتات من أمنه وينعم باستقراره . وأيا كان نوع اليتم الذي يعاني منه ذاك البائس الحزين ، وسبب له تأزماً في نفسيته ، فإنه لا محال سيواجه ظروفاً قاسية وتحديات كبرى ، فقد يتمرد على العادات والتقاليد الموروثة ،

ويكفر بالقيم والمبادئ ، وقد يعيش حالة الفراغ والبطالة وهو يمتلك المال ولكنه لا يدري كيف يستثمره ويرتقي به . وقد يعاني حالة العوز والحاجة فيضطر حينها أن يرتمي في صفوف الموتورين من تجار الأزمات ومروجي المخدرات أو مضللي الفكر وبائعي الأوهام .اليتيم الذي ذكر في القرآن هو نبينا الكريم “وإنك لعلى خُلقٍ عظيم ” .من حق كل يتيم علينا أن نجعله عظيماً ، ويتوجب علينا أن نحسن إليه ونحفظ حقوقه في التعليم والميراث وأن نوفر له السكن والإيواء . طوبى لكل أم أدت الرسالة ورعت أبناءها في وجود الأب وفي غيابه فاستحقت وسام العز والفخار ..

وطوبى لكل أب لم يعرض أبناءه للأذى وضحى من أجلهم في وجود الأم وفي غيابها ، فوقاّهم شر التشرد وأبعد عنهم شبح الضياع .وطوبى لكل مجتمع متماسك مرصوص يشد بعضه بعضاً، لا يقهر الأيتام ولا ينهر السائلين ، بل يكون لهم عوناً في الشدائد وسنداً في التنمية والتقدم والتطوير.
Twitter:@bahirahalabi

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *