في تسعينيات القرن العشرين ومع اكتشاف الشبكة العنكبوتية ( الانترنيت ) وظهور ثورة الاتصالات التي انتشرت في المجتمع انتشار النار في الهشيم وصارت على لسان كل انسان ، وحديث كل الأنام ، دخل العالم في تأثيرات الايقاع السريع التي ألقت بظلالها على الجوانب الثقافية والفكرية للإنسان وتحكمت في علاقاته الاجتماعية ، وغيرت في عاداته وتقاليده ودرجة أداؤه في عمله وتواصله مع الآخرين ، وحتى في نوعية ممارسته لنشاطاته البدنية والذهنية .الانترنيت والتي تعرّف بأنها شبكة اتصالات عالمية يتم من خلالها تبادل المعلومات والرسائل عبر أجهزة الحاسب الآلي وباقي الأجهزة المحمولة والذكية ، تجمع بين وسائل الاعلام بكافة صورها وتقوم بعمل الهاتف وتتميز بإمكانية متابعة المحاضرات وحتى العمليات الجراحية التي تجري في أي دولة بالعالم بشكل حي ومباشر. هذه الانترنيت تبقى سلاحا ذا حدين فهي من جهة تطور من مهاراتنا وتعمق ثقافتنا وتسهل أمور حياتنا ، وهي في الوقت ذاته تحد من عطاءنا وتعيق تقدمنا إن أسأنا استخدامها أو اغفلنا أضرار الادمان عليها ،ولا ننكر ما تحمله في ثناياها من ايجابيات وسلبيات ومن منافع ومساوئ قياساً بما تحتويه من مواقع غثة وأخرى سمينة . وتكمن الخطورة القصوى في غياب الدور الرقابي وعدم محاسبة من يسعون إلى تخريب الأجيال وهدم القيم والمبادئ وزعزعة السلم الأهلي وشق النسيج الاجتماعي وخاصة من قبل من يتطفلون على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الأفكار الضالة التي تبث الحقد و تثير الفتن والنعرات الطائفية أو تروج لتعاطي المخدرات وتبث المقاطع الإباحية وتتاجر بالأجناس البشرية وهناك أيضاً عصابات الكترونية ( هاكر ) تخترق حسابات العملاء في المصارف والبنوك لتختلس أموال المودعين ، وتنشر الفيروسات المدمرة التي تعطل برامج الحواسيب الآلية وتعرقل عمل المستخدمين . أما على صعيد تأثير الانترنيت على الفرد فهي بالغة الأهمية فقد وقع أسيراً لهذه التكنولوجيا الحديثة وابتعد عن وسطه الاجتماعي . ومنذ أن اٌستخدم الجوال المرتبط بشبكة الانترنيت ودخل عالمه الافتراضي ، انفرط العقد الأسري وحصل التشتت العقلي والضياع النفسي لدى الانسان ، فقد لازمه الانعزال وألفه الانطواء تتقاذفه أمواج الحيرة وتسيره أهواء العبثية في السلوك والميول ، فقد صار لهذا الجهاز شأن عند مستخدمه لما يحتويه من تفاصيل واسرار ، فمنه يستقي المعلومات وبواسطته يتواصل مع الآخرين ومن برامجه يحصل على المتعة والتسلية .. ولكن هل يحق لهذا الإنسان أن يعزل نفسه عن محيطه ويأخذ وضعية الصامت الهادئ وينأى بنفسه عمن حوله ويتخلى عن التزاماته ومسؤولياته الاجتماعية ولسان حاله يقول دعوني وشأنكم فلكم حياتكم ولي حياتي ! أنا مع عالمي الخاص وليس لكم أن تعرفوا مع من اثرثر وعلام أضحك ! وأنتم أيها الدائرين حولي والقابعين فوق رأسي من أهل وزملاء وأصدقاء وكمية أعمال .. اصبروا وصابروا ، فليس هناك من داع للاستئناس بالجلوس معكم أو التحدث إليكم ! ولا توجد هناك حاجة ملحة لانجاز ما كلفت به من أعمال كما يقتضيه الواجب وتمليه الأخلاق !!!فهل بعد هذا من حملة توعوية وقرار جريء يقنن من ساعات استخدامنا للانترنيت ولو على الأقل خلال فترة الدوام الرسمي للموظفين ، ليتمكن الجميع من استثمار الوقت بشكل أفضل ونزيد من نسبة الانتاجية المطلوبة ، ونعود قليلاً إلى أيام الزمن الجميل الذي افتقدناه ، حيث كان الفرح والسعادة يعمنا ولغة الحوار والتفاهم تجمعنا ؟!
Twitter:@bahirahalabi

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *