الحرية في وجود الانضباط
يقول الفيلسوف الفرنسي فولتير : ” أنا لست من رأيكم ولكنني سأصارع من أجل قدرتكم على القول بحرية ” ويقول آخر : الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ،، تعتبر الحرية من المطالب الملحة التي لازمت البشرية على مدى التاريخ، فهي من خصائص الإنسان الذي يحيا بالإحساس والشعور، ويتحرك بالفكر والإرادة،.
الحرية الفردية هي حق الإنسان في التعبير عن آرائه وحقه في اختيار مكان إقامته وموقع عمله ، ليغدو من خلالها مسؤولاً عن تصرفاته محاسباً على أخطائه ، أما الحرية الاجتماعية فهي حق المجتمع أن يحرر أرضه من كافة أشكال الاستعمار والاستبداد ، وأن يحرر اقتصاده من كافة النظم واللوائح والقيود التي تكبله وتعيق نموه وازدهاره ..
إن ديننا الاسلامي بمبادئه السامية وقيمه النبيلة التي جاء بها القرآن الكريم وكتب السنة الشريفة قد كفل الحريات الفردية ، وآخى بين الناس ونبذ العبودية وضرب هامة الظلم والجور ، ولم يكن هناك ميزة مكتسبة لأحد أو موروثة لآخر ، فالكل سواسية كأسنان المشط لا فرق لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ولا تمايز ولا محاباة لطبقة دون أخرى ، بل عدل ومساواة بين الجميع واحترام وتقدير للمختلفين في الدين واللون والجنس.
لقد وهب الله الانسان العقل وعلمه البيان وجاءه بالأسباب التي تجعله يقتنع بالرسالة الربانية وتهديه إلى الطريق الصحيح ، كما ترك له مساحة من التفكير والتدبير بما يراه مناسباً ومنحه حرية الاختيار في قوله تعالى : “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ” صدق الله العظيم .
الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر الغلام القبطي بحمل السوط والاقتصاص لنفسه من ابن والي مصر عمر بن العاص الذي استغل سلطان أبيه وضرب القبطي عندما فاز عليه في مسابقة الخيول ،وحينها قال الخليفة كلمته الشهيرة : ” متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا” .وهكذا نرى أن الله كرم بني آدم أن جعله حراً ، وحثه أن يكون قوي الشكيمة وصاحب عزيمة تزينه الأخلاق ويعلوه الإباء ويرفعه مقدار ما لديه من كرامة وعزة نفس ،
فالإنسان الحر الواثق من نفسه لا يكذب ولا يرضى بالضيم ولا يقبل الذل والهوان ويترفع عن الصغائر والحر يبني ولا يهدم ، يعطي ولا يرتشي ، يعمل بنزاهة واخلاص ولا يعقد الصفقات في الظل ، والحر لا يخون ولا يستسلم ” تموت الحرة ولا تأكل من ثدييها ” ..
جميل أن نربي أبناءنا على البلاغة والفصاحة وعدم الخوف والتردد وقول الصدق ، وأن نجنبهم التدخل في شؤون الناس وحياتهم الخاصة ، ونعلمهم أنهم ليسوا وكلاء على أحد ، وحريتهم يجب أن تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين ، فهم يستحقون الحرية لأنهم ساروا في إطار حدودها ، وحافظوا على قيم ومبادئ العيش المشترك وحسن الجوار ولطافة المعشر ، ولم ينتهكوا عرفاً اجتماعياً ، ولم يرتكبوا جرماً جنائياً ولم يقترفوا خيانة وطنية.
Twitter:@bahirahalabi
التصنيف: