أعطني مسرحا أعطك شعبا عظيما

• بهيرة محمود الحلبي

” الهزائم السياسية والعسكرية كبوات يمكن النهوض منها والأزمات الاقتصادية يمكن تلافيها وتجاوزها ، ولكن الهزيمة الثقافية هي الخط الأكبر وهي الكارثة التي لا قيام للأمة بعدها ” : الباحث والمفكر العربي محمد قجة . ما تعكسه بعض الفضائيات اليوم من تسطيح للثقافة واضمحلال لما يمكث في الأرض ، بل إن ما يدسه أكثر مواقع التواصل الاجتماعي من سم للأخبار الكاذبة والفيديوهات المشوهة ، ما هو إلا ألاعيب إعلامية وسعي رخيص للإثارة والتضليل ، أصاب ذائقتنا الجمالية في مقتل وابعدنا عن كل قيّم وأصيل ، وهو حتماً لن يكتب له البقاء ، وأبداً لن يكون بديلا عن قراءة الكتب وحضور المسرحيات الجادة ومشاهدة الأفلام السينمائية وعزف الآلات الموسيقية ، منهل الثقافة وغذاء الروح وتنمية العقول .

في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ، برزت مسرحيات قوية في كل من مصر وسورية والكويت ، لم تخلو من الرمزية والاسقاطات السياسية ، سلطت الضوء على سلبيات الطفرة المالية التي شهدها المجتمع الخليجي على وجه الخصوص ، وعلى حالة القهر والتمايز الطبقي التي عاشها المواطن العربي في دول أخرى ، فكانت بمثابة الجرس الذي يقرع سبات الضمير ويشجع على التغيير نحو مستقبل أفضل .

أين هم صناع المسرح الآن ؟ ولماذا نأى الفنانون عن تجسيد هذا الفن العريق؟ أين هو شبيه النجم غانم صالح ( رحمه الله ) ” نهاش فتى الجبل والبراري والقفار ” في مسرحية ” باي باي لندن ” ؟ والنجم نهاد قلعي ( رحمه الله ) الذي أبدع في مسرحية ” غربة “، عندما تقمص دور البيك الذي يسلب الناس حقوقهم ، ويضطرهم إلى الهجرة والاغتراب ؟ !! هل صار صعباً استنساخ شكسبير آخر ، وماغوط جديد ، ونجيب روحاني ينادي : ” عايزين مسرح نتكلم فيه اللغة اللي يفهمها الفلاح والعامل ورجل الشارع، ونقدم له ما يحب أن يسمعه ويراه”. يقولون المسرح هو أبو الفنون ، ويقبع في قلب الفعل الثقافي ويدفع بالأمة إلى نهضة حضارية . وحيث حلت بعالمنا العربي عاصفة من غبار الشك والريبة ، وابتلينا بأحداث دامية ،وحيث ساد اليأس والاحباط ، وسيطر الحزن على قلوب الأغلبية الساحقة ، فقد يكون من أولى أولوياتنا أن ننقذ بالفن ما خربته الحروب ، ونعيد إحياء ذاك المسرح الذي يحاكي الناس همومهم اليومية ويعالج مشاكلهم الاجتماعية ويخفف من أزماتهم النفسية بأسلوب ساخر وكوميديا هادفة . نأمل أن تضاء أنوار مسارحنا من جديد ، بعروض تبلسم الجروح وتهدئ ضجيج الروح ، تبشر بقيامة مزدهرة للبلاد يعمها الأمن والسلام ، وبعلاقات انسانية متينة للشعوب يملأها الحب والوئام .

التصنيف:

One Response

  1. مقال مميز في هذا العصر واصبح للرقص والمجون مجال في مجتمعاتنا أعمق من الاطلاع على الكتب والعوده إلى المسرحيات الهادفة حيث الشباب من هذا الجيل يتراقص على موسيقى وأغاني فاشلة تتحدث عن الجنس وما شابه ذلك وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي لا هم لها إلا جذب هذا الجيل إلى مستنقع واهي.. مع تحياتي لك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *