لعنة الآيباد ( iPad ) في حياة الطفل
الأطفال من نعم الله علينا ، المال والبنون زينة الحياة الدنيا ، فهم أمل المستقبل وهم بناة الوطن حين يكبرون ، من ضحكاتهم تبتهج النفوس ومن براءتهم تصفو القلوب وفي لعبهم متعة للكبار ، فهم فلذات أكبادنا تمشي على الأرض .فلما لا نعدّهم جيداً ونحسن تربيتهم ونقدم لهم واجب الرعاية وحقوق العيش الكريم ، بعض هؤلاء الأطفال وللأسف يعيشون حالة من السلبية يرثى لها وواقع من البؤس لا يسر الناظر ولا يرضي الخاطر، فقد انتهكت فطرتهم حين سلبت حريتهم في الصراخ والتعبير عن احتياجاتهم الطبيعية من أكل أو لعب أو ركض في فناء الدار أو خروج للاستمتاع بالطبيعة في الحدائق والمتنزهات . لقد كتمنا نحن المربون صوت هذا الطفل حين أمسكناه جهاز الآيباد ليكف عن البكاء وعن طلب المزيد من الرغبات، وأجبرناه على التلهي بما يحمله هذا المخترع الحديث من ألعاب الكترونية وبرامج وتطبيقات فيها من الغث الكثير، فقد حرمناه من اللعب البرئ والتربية البدنية الضرورية في مراحل عمره المختلفة .وجعلناه انطوائيا يتصرف بفردية مع عالمه الافتراضي غير مكترث بآداب الجلوس إلى جانب الأهل والضيوف ، ينأى بنفسه عن المشاركة في الحوار والاستجابة لتقديم خدمة ما ، كما كنا السبب في زيادة وزنه حين شغلنا عنه ورضينا له أن يدمن على هذا الجهاز ويجلس لمدة قد تمتد لساعات طويلة ومتواصلة تجهد أعصابه ، وتتعب مزاجه ، يتناول أثناءها وجبات سريعة كثيرة الدسم تفتقد لأدنى العناصر الغذائية والصحية. فيصاب على أثرها بتلبك معوي وارتفاع في درجة الحرارة ، ويحال بعدها إلى طبيب لا يملك من علمه إلا أن يصف له مضادا حيويا وخافضاً للحرارة ، وبعد فترة بسيطة تنتكس حالته لتعود أعراض المرض ثانية وثالثة .. فنحن لم نبن لهم أجساماً قوية ولا عقولاً سليمة ، وقد استسهلنا واجب الاعتناء في صحتهم ولزوم التحدث إليهم حتى صاروا مأطرين في جهاز حرمهم التفاعل مع الأهل والمجتمع وسلب منهم صفاء الفكر ونقاء الذاكرة وتلقائية التصرف .. وصحيح كما يقال : أنه بفضل الآيباد والأجهزة الذكية الأخرى صار الطفل يعرف الكثير عن التكنولوجيا الحديثة وكيفية استخدامها ويطلع من خلالها على المشاهد واللوحات التعليمية والقصص العالمية ، لكن ذلك جاء على حساب متعة القراءة الورقية وحمل أقلام التلوين ونشوة الإصغاء لحكايات الأم والجدات ، وأيضاً على حساب صحتهم الجسدية التي تحتاج إلى ممارسة الرياضة بكل أنواعها والتعرض إلى الهواء الطلق وأشعة الشمس ، وعلى صحتهم الذهنية التي تحتاج إلى تنشيط يومي وإجراء العمليات الحسابية بعيدا عن الحاسبة الالكترونية ، وأيضاً على حساب تغذيتهم الروحية وإشباع حاجتهم العليا التي تطلب الاحساس بالجمال المنسجم مع الفنون والآداب كالشعر والكتابة والالقاء والرسم والموسيقا التي ترتقي بهم وتجعلهم يتلفظون درر الكلام ويتذوقون عذوبة المعاني .علينا كمربين أن نعيد النظر في اسلوب وطريقة تربيتنا لأطفالنا ، وأن نسحب الصلاحية من الأجهزة الالكترونية التي أثرت في ثقافة أطفالنا وانحدرت بهم إلى الأسوأ ، وأن ننمي مهاراتهم اليدوية ونطور قدراتهم العقلية والجسدية بعيدا عن التكنولوجيا وارهاصاتها ، ونغرس فيهم القيم والمبادئ الأصيلة ، فنضمن بذلك أن ينشأ طفلنا بشكل صحيح ، مجداً وناجحاً في حياته العلمية والعملية والاجتماعية ، يراعي النظام ، ينطق الصدق ، لا يخون الأمانة ،يلتزم بآداب العشرة متسامحاً كريماً ، يحترم الآخرين ، يحب وطنه ، وفي المستقبل يصبح شاباً واعداً يعوّل عليه ..
Twitter:@bahirahalabi
التصنيف: