عندما ظهر الكمبيوتر، وبدأ التعليم الالكتروني.. اهتم كثير من الأباء بطلبات الأبناء والبنات من الأجهزة الالكترونية وكيفية استخدامها ، والحاجة إلى من يدربهم عليها ، والعبء المادي الذي سيضاف إلى ميزانية الأسرة ، ومن تجربة أحد أصدقائي الذي لم يكن راغبا في تعلم الثقافة الالكترونية ، ولم يكن محتاجا لها ، كما بدا له ، ويقول: إنه قاوم طلب ابنه الصغير لجهاز كمبيوتر وتردد في تلبية الطلب؛ لاعتقاده انه لن يستفيد منه إلا إذا أحضر له من يعلمه كيفية التعامل مع هذا الجهاز المعقد ، ولكنه أمام إصرار الابن على طلبه، جعله يستسلم ويشتري جهاز الكمبيوتر ، ويضيف : إنه فوجي بالابن وقد أجاد التعامل مع هذا الجهاز الذي عجز الكثيرون عن فهمه ، ليس هذا فحسب بل يقول صديقي: إن ابنه الصغير عرض عليه أن يعلمه كيفية استخدام الكمبيوتر.
من تجربة صديقي ، ومما سمعته من آخرين ، اتضح لي أن الأطفال أصبحوا مدرسين ، وإن لم يكن بالمفهوم العام ، ولكن على الأقل في مجال علوم التقنية ، والمعروف أن الأطفال ليسوا مدرسين، ولكنهم مع التطور السريع في مجال التقنية والثقافة الرقمية، أصبحوا يقومون بدور مدرسي التقنية بالنسبة للآباء والأمهات .. في الماضي كان الأب أو الأم أو كلاهما يطلب من الابن أو الابنة إحضار كتبه ودفاتره لمساعدته في حل المسائل، التي لم يستطع حلها أو شرح درس لم يستوعبه .. أما الآن فقد تغير الوضع وأصبح الأب أو الأم يطلب من الابن أو الابنة شرح كيف يفتح الكمبيوتر، وكيف يحصل على معلومة ، كان البحث عنها في كتاب ابتاعه من السوق أو استعاره من المكتبة يستغرق وقتا طويلا، وبمساعدة المدرس الجديد أصبح يحصل عليها في ثوان معدودة ، كما يطلب الوالدان من الأبناء والبنات ( المدرسين الجدد ) شرح كيفية التعامل مع البرامج المتوفرة على الشبكة العنكبوتية مثل التويتر والفيس بوك والانستقرام وغيرها، مما كان يعتبر طلاسم يصعب حل رموزها .
يقول صديق آخر : كنت وحتى بضع سنوات خلت على غير علم بعالم الكمبيوتر ولا بشبكته العنكبوتية ، ولم أكن حريصا على الذهاب إلى أحد المعاهد التي تدرب أمثالي من الذين لا يحسنون التعامل مع هذا العالم المجهول ، ولم أكن أظن أن هناك ما يمكن أن ينافس الكتاب في كسب المعرفة، وقضاء الوقت؛ كما قال المتنبي: ( أعز مكان في الدنى سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب ) .. يقول صديقي هذا : في أحد الأيام، كنت في زيارة لأحد أصدقائي، وكان يعمل على جهاز الكمبيوتر، فسألني بعض الأسئلة تتعلق بالكمبيوتر ، فأخبرته: بأنني لا أعرف فيه شيئا ، فظنني أمزح ولكن عندما أكدت له ذلك ، أقسم بالله أنني أمي، وعندما ابتسمت بعد سماع قسمه ، أقسم بالله مرة أخرى، أنني أمي؛ حتى وإن حملت أعلى الشهادات ، ويضيف : عندما عدت الى البيت استدعيت الأولاد والبنات، وأبلغتهم بقراري .. تعلم الكمبيوتر وأنهم هم من سيعلموني هذا العلم الجديد .. يقول : كان تجاوب الأولاد والبنات سريعا وحاسما، وقال أحدهم بخبث : يجب ان تكون طالبا مثابرا ومجدا ، وأن تحل واجباتك وتسمع كلام مدرسيك !
هكذا تغيرت الأدوار وأصبح الطلبة الذين كانوا يحتاجون إلى مساعدة آبائهم وأمهاتهم ، يعلمون آباءهم وأمهاتهم ، وبهذا أصبحوا هم المدرسين الجدد .
• دبلوماسي سابق
وخبير في شؤون جنوب آسيا

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *