من ذاكرتي مع سعود الفيصل

• ناصر الشهري

كان وسيظل شخصية متميزة في تاريخ السياسة العربية والدولية.. كانت ردوده لا تنتظر نهاية الأسئلة بقدر ما يختصر إجاباتها ويضيف لأبعادها مسافات من الرؤى الثاقبة. منطلقاً من الرصيد الكبير الذي يمتلكه في مختلف مفاصل العمل السياسي. نعم كان سعود الفيصل رقماً صعباً على طاولة الحوار.. وصاحب “المفردة” التي يحترمها الجميع لما تحمله من الحنكة.. والوعي الثقافي مدعوماً بالانتماء المغموس في مجموعة من القيم والأخلاقيات الحميدة.
وذلك الحجم الشامخ من حبه لوطنه ولأمته العربية والإسلامية. فكان الوزير الذي يلفت الانظار.. ويصمت امامه الحضور قبل ان يبدأ الكلام.
واذا كان مؤتمر “سعود الأوطان” الذي انطلق تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز والذي يعد تكريما لرجل بحجم الراحل القدير.. فإنه لا يمكن بأية حال من الأحوال أن يغيب ذلك الرمز الوطني من منصة السياسة الدولية.. ولا قصة وطن قدم له سعود كل عمره وحياته وتحمل من أجله الكثير من المتاعب.
وكان ركيزة أساسية في منعطفات التاريخ.. وعوناً لقادة الوطن في رسم الخارطة السياسية نحو عالم مضطرب الاتجاهات.. مليء بالتحديات الصعبة.. وهي تحديات كانت في معظمها تستهدف المملكة في مختلف شؤونها.. غير ان الفيصل سعود كان يمثل جداراً قوياً لا يمكن اختراقه بقدر ما يكون منتصراً بكل جدارة وإيمان. لا يملك حتى الأعداء إلاَّ الوقوف له احتراماً واعترافاً.
عرفت سعود الفيصل عن قرب ولي معه بعض المواقف اذكر منها قصة لجنة المساعي الإسلامية الحميدة والتي تم تشكيلها لإيقاف الحرب العراقية الإيرانية والتي كانت برئاسة الرئيس السنغالي أحمد سيكتوري يرحمه الله وعدد من قادة الدول الإسلامية حيث كان سموه في المطار لتوديع اللجنة في طريقها إلى طهران. وكان قد طلب مني أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي آنذاك. الحبيب الشطي مرافقة الوفد الذي كان معاليه يرحمه الله جزءاً منه. وكنت يومها أعمل في صحيفة الشرق الأوسط.
وقبل المغادرة طلبت من الشطي أن أستأذن الأمير سعود الفيصل. كون العلاقات مع إيران ليست جيدة.. وبالفعل اتجهت إلى سموه وعرضت عليه الأمر. فكان رده قائلاً: أخشى ان يتم اعتقالك في طهران.. وتدخل في إشكالية المطالبة بك. لذا فأنا أرى أنه من المناسب ألا تذهب معهم. وأردف بالقول: الا اذا كنت ترغب في ذلك فعليك ان تتحمل مسؤولية نفسك.
عندها قلت شكراً سمو الأمير سوف أعمل بنصيحتك ولن أذهب. ثم اتجهت إلى الحبيب الشطي واعتذرت منه. وقلت له رأي الأمير. فما كان منه إلاَّ أن اقترب من سموه مبتسماً.. وقال له: انه سيكون في عهدتنا. فكان أن رد عليه الأمير متجهماً بقوله: أنا لا أفضل ذلك.. وقد أبلغته بوجهة نظري. فشكره أمين عام المنظمة واتجه إلى الطائرة ضمن الوفد.
وفي المساء وانا في الصحيفة وصلت أخبار من وكالات الأنباء تقول أن الوفد قوبل بالحجارة. وقذف بعض أفراده وسياراته اثناء الخروج من مطار طهران. عندها تذكرت رؤية وتوقعات الفيصل. وحمدت الله أنني سمعت نصيحته وشكرته في داخلي بكل حب وتقدير.
وفي موقف آخر ابلغوني أن سعود الفيصل غاضب منى وذلك نتيجة حصولي على بيان رئاسي مشترك لرئيس اليمن الشمالية والجنوبية علي سالم البيض وعلي صالح بعد وصولهما لمطار الملك عبدالعزيز. دون أن أسلمه لوكالة الأنباء السعودية. حيث قمت حينها بإرسال صياغة البيان من المطار إلى الجريدة في تحقيق سبق صحفي ثم اتجهت إلى قصر الضيافة الملكية لتسليم أصل البيان الذي أبلغ به مسؤول الإعلام في الوفد اليمني. قائلاً: ان شخصاً اسمه فلان قد سلمناه البيان. على أنه من وكالة الأنباء السعودية.
يومها سلمت ذلك البيان المشترك للراحل خليل جلال في الديوان الملكي بحضور معالي الأستاذ القدير السيد أحمد عبد الوهاب رئيس المراسم الملكية. ثم قال خليل عليك أن تدخل إلى الأمير سعود وتبلغه بالموضوع.. وكيف أخذت البيان. فهو غاضب منك. وقد دخلت إلى سموه وهو يجلس في أحد أروقة القصر في حين كان الضيوف عند الملك فهد يرحمه الله في المكان المجاور.
وعند دخولي للأمير. شرحت له القصة. وانهم كانوا يسألون عن مندوب الوكالة. فلم يكن موجوداً. وتقدمت لاستلامه. وكانوا يعتقدون أنني المندوب. وقد احضرته الآن.
فما كان من سموه إلاَّ أن ضحك قائلاً: أكيد أرسلته لجريدتك؟. قلت للأمانة نعم سمو الأمير.. ولم يغضب مني.. انه وطن ودبلوماسية.. وأخلاق الرجال.
[email protected]
Twitter:@NasserAL_Seheri

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *