كأنك يا بوزيد ما غزيت!!
[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]ناصر الشهري[/COLOR][/ALIGN]
مع تطور الأحداث في مسلسل الثورات العربية.. وقبلها في دول إسلامية مثل إيران وأفغانستان وباكستان.. تتجسد صورة لا تخرج في مضمونها وأبعادها السياسية عن ثلاثة خيارات يمكن وصفها «بالأثافي» التي «تغلي» فوقها نتائج محسومة في نهاية المطاف.
وهي اما الدكتاتورية.. أو التطرف الديني المتشدد في ناصيته ومنظومة الحكم.. أو الفوضى والحروب الأهلية كخيار ثالث!!
عندها تكتشف الشعوب أن سقوط النظام لا يعني نهاية الظلام.. بقدر ما تبدأ مرحلة جديدة من الصراع وتقاسم البشر والضمائر والقرار.. وما خف حمله من بقايا الإرث.. وتجيير الممارسة للحقبة القديمة.. وذلك في شكل غنيمة يلفها غموض المرحلة الانتقالية.. وفي ظل غياب الحقيقة التي يكثر شهود مصادرتها!! وفي ظل انشغال فقراء الشعوب بشعارات ميادين جمعتهم «نخوة» النضال دون معرفة التفاصيل.. ولا الهوية.. ودون معرفة لخارطة طريق لا يشاركون في رسمها بقدر ما يفرضها عليهم اكثر من متعطش للسلطة.. وأكثر من تاجر شنطة.. وأكثر من تاجر كلام.. وأكثر من فاسد.. وأكثر من شاهد زور.. وأكثر من زنديق يرفع شعار «التابو» الديني تحت حزام ناسف!
عندها تكتشف الشعوب أيضاً انها خرجت من «غزوة» الميادين خالية الوفاض.. وأن خيولها وبغالها وجمالها قد اصبحت مطايا لأولئك الذين استثمروا ركضهم كل على طريقته الخاصة.. ومعه رسم كل من هؤلاء المستثمرين خارطته الخاصة في تقسيم يغيب عنه نصيب الميادين.. وكل وقود الصراع!!
وفي مقابل المرتكزات الثلاثة التي اشرت اليها نجد ان النتيجة كان لا بد ان تأتي بهذه الطريقة في خياراتها الصعبة وهي اما الحكم الدكتاتوري البديل او المتطرف الديني او الغرق في حروب اهلية لا نهاية لها.
هنا يمكن الاشارة الى ان السبب في ذلك هو غياب المحددات التي على اساسها يتم التغيير او هي نزول الثورات دون خطط منهجية ودون قيادات سياسية مقنعة وبديلة يتفق عليها الشعب.. وجاهزية كل اركان تلك القيادات لسرعة سد الفراغ السياسي من خلال منظومة حكم قادرة على الامساك بزمام الامور.. ولديها اجندة سياسية واقتصادية قابلة للنجاح.. وليست عناصر معارضة ضعيفة تراقب النعوش في زفة الموت!!
ويأتي السبب الآخر في فوضى الثورات العربية وهو: عدم الادراك بأن الجيوش هي التي تفرض التغيير وهي التي تنأى بالشعوب عن حرب الشوارع من اجل التغيير.. وطالما بقي ولاء العسكر للسلطة فإن الثورات ستغرق في الدماء اثناء وبعد الثورة.. حتى وان انقسمت الجيوش على نفسها.. فإنه سيبقى ارث ثقيل من تصفية الحسابات المؤجلة حتى وان نجحت الثورة بكل خسائرها البشرية والمادية.
ولعل تجربة ثلاث دول في التاريخ الحديث فرضت التغيير دون انتحار الشعوب في ميادين المعركة. وهي كل من تركيا والسودان وموريتانيا.
صحيح انه لا احد يفضّل حكم العسكر.. لكنه هو الذي يضمن الانتقال السلمي والمنهجي للسلطة ويحقن دماء الشعوب وفي الوقت نفسه هو الذي يحافظ على مؤسسات الدولة من الانهيار.. ويفرض الامن والاستقرار دون ان ينفرط العقد في شوارع الموت لانتظار القادم الاسوأ.ودون فتح باب المزايدات السياسية لنسور فريسة ثورات يلفها الموت والغموض.. ومصير مجهول.. ودون ان تردد الشعوب المثل القائل: كأنك يا ابو زيد ما غزيت!!
[ALIGN=LEFT][email protected]
twitter:@NasserALShehry[/ALIGN]
التصنيف: