الصحف الورقية بين الموت وصراع البقاء!!
بقدر ما تحاول الصحافة الورقية أن تقفز فوق إمكانياتها والعمل على رفع مستوى الإصدار مادة وإخراجاً. وذلك في محاولة للصمود أمام الهجمة الشرسة للصحافة الإلكترونية من ناحية.
ومن الناحية الأخرى اختطاف اهتمام القارئ إلى وسائل التواصل من خلال النوافذ المتعددة واختصار المعلومة وسرعة نقلها بشكل يختصر مسافات الوقت في مقارنة بالصحف الورقية..
إلاَّ أن كل هذه المعطيات قد انعكست على تراجع مصادر الدخل للأخيرة بعد هروب الحصة الأكبر من الإعلان إلى المواقع الإلكترونية إضافة إلى ارتفاع تكاليف التشغيل.. الأمر الذي جعل هذه الوسائل التقليدية تعمل على إنشاء مواقع إلكترونية بذات الهوية. وتطوير مستواها الفني بما يتناسب مع الإعلام الجديد.
وذلك للوصول بالمنتج إلى ساحة المنافسة ومحاولة استعادة الإعلان لدعم استمرار الإصدار التقليدي. لكن ذلك لم يؤدِّ إلى تحقيق أهداف التغيير. الذي يبدو أنه ما زال بحاجة إلى المزيد من الوقت في نظر البعض..
ونسبياً وإن حصل في نظر الكثير من خبراء المهنة بكل تفاصيلها وأبعادها.. وزحمة الوسائل والمنافذ في مشهد الصحافة والإعلام على نطاق واسع.. وهو ما أدى إلى تجربة تخفيض النفقات من أجل الصمود في الإصدار الورقي.
ثم أضافت تخفيضات ثانية تمثلت في تقليل الصفحات إلى الحد الذي يمكن أن يحمل الشخص عدداً من الصحف لا يتجاوز حجم ثقلها صحيفتين مقارنة مع ذلك الحجم الذي كان قبل أقل من عامين!! لا يتجاوز الإعلان فيها سوى نسبة محدودة في مقارنة مع الفترة المشار إليها هنا.
وأمام الإشكالية في مقاومة المرحلة قررت الكثير من الصحف العالمية أن توقف إصداراتها الورقية والعمل من خلال مواقعها الإلكترونية. غير أن هناك إشكالية سوف تواجه هذا التحول.
وذلك أمام الخيارات الصعبة في الممارسة والأداء. تتلخص في انفلات النشر لبعض المواقع في الإعلام الجديد. وعدم المهنية والخروج عن المألوف والتنافس على سرعة الوصول دون التأكد من المصادر. ودون معالجة النصوص. ومراعاة التأثير على مسارات قضايا ما زالت محل مباشرة التحقيقات.
خاصة ما يتعلق منها بالأمن. وهو ما يجعل الصحف التقليدية تواجه تلك الخيارات التي أشرت إليها. ومنها: أما أن تقع في أخطاء مهنية بسبب المنافسة وتفقد مصداقيتها. أو أن تسير في منهجها الورقي خاصة في جانب الخبر فتبقى بعيدة عن متابعة جزء كبير من القراء في زمن يركض فيه الغالبية وراء ما يعرف (بالفرقعة) في التناول والطرح!!
وبالتالي فإنني اعتقد أن أمام الصحافة الورقية المحلية فرصة للاستمرار وذلك من خلال تغيير المنهج وهو أن تعمل على التركيز في العمل الميداني بأفكار تلامس الحياة اليومية وقضايا اجتماعية. وخدمات ذات صلة بالهموم التي يقرأ فيها المتلقي نفسه في المادة المنشورة بالكلمة والصور.
إضافة إلى الحراك اليومي داخل مختلف المؤسسات والقطاعات ذات العلاقة إضافة إلى توسيع نطاق استقطاب الرأي من خلال كتاب وكاتبات متميزين لا يتحدثون عن ذاتهم ومصالحهم الخاصة. أو الذين يكتبون من أجل أن يكتبوا من أجل الحضور فقط.
وكذلك متابعة أهم القرارات والأخبار بالتحليل الذي يتيح للجهات ذات العلاقة والمختصين فرصة طرح ما يرونه من آراء حول ما هو مكان الجدل أو المشهد في قضايا المجتمع. وكذلك ما يتم إنجازه على المستوى الوطني. وكل هذه المنظومة من مسارات التغيير يمكن دعمها بالتقنية الحديثة في الصحافة الورقية التلفزيونية أيضاً.
بحيث تكون الأخيرة إنتاجاً خاصاً. وليس نقلاً من مصادر خارج الإصدار. باختصار : ليس بإمكان الصحف الورقية أن تستمر دون معالجة المنهج التقليدي مع الحفاظ على مكانتها في المصداقية وأخلاقيات النشر التي تفرض تميزها .
وتعيد لها القارئ الهارب وثقة المعلن من القطاع الخاص أيضا. وهذه مهمة تحتاج إلى شيء من الوقت الذي يمكنها من استثمار فشل مرحلة الانفلات والشائعات في تجربة الإعلام الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي. وتراهن على الثقة كمصادر للبحث عن الحقيقة.
على أن الدول العربية تواجه الكثير من التحديات التي تتطلب صحافة قادرة على الشراكة في الحفاظ على الأمن الوطني ونشر الوعي من خلال الرأي العام المسؤول بعيداً عن مشهد الفوضى والدمار في تجربة إعلام الربيع العربي . وهو ما يدعو إلى أهمية دعم الحكومات العربية لاستمرار الصحافة في نسختها الورقية.
Twitter:@NasserALShehry
[email protected]
التصنيف: