الشرق (التعيس) إلى أين؟

• ناصر الشهري

قصة التحولات الدراماتيكية التي شهدتها المنطقة العربية تتعدد فصولها وتفرض محطاتها سيناريوهات ستظل مفتوحة الستار على الكثير من الاحتمالات وسط صراع من السباق نحو استثمار كل ما أفسده طرف من القوى الكبرى في المنطقة العربية .. وبالعودة إلى واحدة من هذه المحطات يمكن القول :ان المعطف الذي كان قد تم تقديمه هدية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى المشير عبدالفتاح السيسي أثناء زيارة الأخير إلى موسكو..لم يكن في نظري مجرد هدية عبثية بقدر ما كان له أبعاده السياسية في إيحاء من قوة مازالت ترى نفسها بأنها وريث القطب الثاني أمام أمريكا. وكنت في وقت سابق قد أشرت إلى أن عودة المجد القديم ليس أكثر من وهم لرجل المخابرات الأول في موسكو بوتين. وذلك مع بداية ولايته الثانية ووقوفه إلى جانب نظام دمشق الحالي.
غير أن المتغيرات الجديدة قد فرضت نوعاً مغايراً لكل التوقعات. وذلك بعد الارتباك الأمريكي في المنطقة. وكشف أوراق لم تكن في الحسبان أمام كل من كانوا يعتقدون أن البيت الأبيض «فزاعة» الديمقراطيات في العالم وأن قرارها لا يمكن المراهنة على تراجعه. إلا أن تطورات أوضاع المنطقة. وإخفاق أمريكا في تحقيق أي دور في القضية السورية، إضافة إلى دعمها السابق لجماعة الإخوان في مصر قد جاء في مجمله لصالح الخطاب الروسي الذي استثمر ذلك السقوط الأمريكي الفاضح وذلك منذ إعلان أمريكا موقفها من الجيش المصري في تلك المرحلة والتلميح بإيقاف المساعدات بين وقت وآخر والاستمرار في دعم قيادات الإخوان المسلمين التي قالت الخارجية الأمريكية حينها أنها على اتصال بتلك القيادات. مؤكدة في الوقت نفسه رفض واشنطن اعتبار جماعة الإخوان إرهابية طبقاً للإعلان المصري. ومن ثم فإن كل هذه المعطيات عززت من الموقف الروسي تجاه النفوذ والذي لاشك أن استقطاب دولة عربية كبرى مثل مصر سيكون ورقة مهمة لصالح موسكو.. وهو استقطاب يصب في مجرى الخارطة السياسية التي يريدها بوتين والكرملين معاً. ومنها الحفاظ على بقاء بشار الأسد, إضافة إلى تحقيق مكسب محوري يضاف إلى المنظومة التي يكون لها مصالح مشتركة مهمة خاصة في جانبها العسكري.. وأمام المشهد نجد أن ضعف أوباما مقابل قوة بوتين من الناحية السياسية كان وراء اختلاف المسارات وخلط الأوراق في شرق (تعيس) أصلاً!.
ومن هذه الأوراق وضع عدد من الدول العربية التي كانت تعول على أمريكا من منطلقات متميزة للعلاقات أمام خيارات صعبة لا ترجح كفة الميزان الأمريكي. لتجد واشنطن نفسها اليوم وكأنها قد أصبحت خارج قواعد اللعبة السياسية وإن احتفظت بشيء من قواعدها العسكرية في المنطقة. خاصة بعد أكبر صفقة روسية في تاريخ مصر من ضمنها طائرات حربية تفوق أف 16 وأباتشي الأمريكية إضافة إلى منظومة صواريخ متطورة من أحدث الصناعات الروسية. وفتح ملفات جديدة خليجية من العلاقات مع موسكو والتي كان آخرها دولة قطر!! رغم وجود أكبر قاعدة أمريكية على أراضيها.
ومن ثم فإن السباق نحو المعادلة كان قد اقترب من الفشل بعد سقوط منظومة الاتحاد السوفيتي السابق إلاّ أن الإخفاق الأمريكي في عهد أوباما قد فتح (إزار) المعطف الروسي لاستقطاب عدد كبير من دول الشرق الأوسط ذات المكانة والمكان وحجم التأثير.. وما بين المعطف الروسي والكاوبوي الأمريكي تتوه خطوات العرب .. بحثاً عن موقد دافئ تلتف حوله كل الأيادي وان اختلفت مسافات “السكة” ما بين موسكو وواشنطن.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *