الإسلام السياسي .. طلاق بائن .. أم مراجعة بعد العدة؟
من الطبيعي أن يكون العرب أكثر حرصاً على التمسك بالإسلام. وذلك بصرف النظر عن التركيبات العرقية والدينية في هذه الدول. وهو أمر لا جدال فيه بحكم الانتماء وإن تعددت المذاهب.
لكن كيف تم اختطاف الخطاب الديني إلى ممارسات مختلفة عن مبادئ العقيدة ومخرجاتها.. وكيف شكل المشهد معايشة أحداثاً مثلت أنماطاً من مسببات كوارث هذه الأمة. والتي فرضت مقارنة بين المجتمع العربي. والمجتمع الإسلامي في دول وغيرها من الأقليات المسلمة في العالم؟
هنا نجد ان القضية تتوقف على التعطش للسلطة في مضمون وأساسيات الخطاب وأهداف رموز عملت على خلط ملفاتها نحو الحكم من منطلقات الدعوة. على اعتبار أنها الوسيلة التي يمكن من خلالها الحصول على قناعات وثقة المؤمنين.. وتصنيم تلك الرموز قدوة يجب الالتفاف حولها.وهو ما تم توظيفه لتنظيمات تطورت مع مرور الزمن إلى التسمين والاستقطاب البشري والمادي. وذلك من أجل دعم الاتجاه إلى المهمة الرئيسية لتحقيق أحلام عناصر صنعت الأحداث لتكون على صهوة حصان يتقدم القوم نحو الحكم بأدوات “مفخخة” بعد “مبايعات” استهدفت شرائح من شباب الأمة العربية وحملات استقطاب من دول إسلامية. بعد التسليم بأن أولئك القادة للفكر الذي خطف العقيدة سوف يملؤون الأرض عدلاً ونوراً. وأن من يموت قبل رؤية حقيقة ذلك الوعد قد تم تجهيز مكانه في الجنة دون حساب!!
وكانت وما تزال هذه النتائج في انحراف مسار الدعوة وتداعيات كوارث المنطقة وهي الحلقة التي عززت خطاب الإسلام السياسي. ومن أجله تكرست المفاهيم والقناعات والتضحيات في تجربة لم يشهدها التاريخ الإسلامي في منظومة جرائم انعكست سلباً على العقيدة في مفهومها الصحيح. واليوم وفي تطورات جديدة تشهد بعض الأحزاب الدينية تحولاً دراماتيكيا يمكن اعتباره الهروب من نقل التجربة وعدوى انتقال فايروس الإرهاب بصورة أكثر ضراوة داخل مجتمعاتها. وبعد فشلها في حملتها إلى السلطة من خلال الإسلام السياسي. وهو ما حصل مؤخراً مع زعيم حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي الذي فجر قنبلة قوية ضد إخوان مصر بعد أن كان حليفاً قوياً للجماعة في محاورها السياسية. وقبل ذلك مع الراحل حسن الترابي في السودان قبل وبعد نفي الأول إلى فرنسا. وبعد أن أعادته ثورة الياسمين!! ومثل إعلان الغنوشي الأخير تخلي حزبه عن السياسة إحباطاً لدى الكثير داخل وخارج تونس من المتشددين والمناضلين لصالح المشروع من الجماعات التي ما زالت ترسم تضاريس جغرافيا الإسلام السياسي. وتربية تيارات أكثر قوة للاختراق .. ورغم أن قرار الغنوشي سوف ينعكس بالتأكيد على بقية المنظمات المماثلة أو تلك العشوائية المنفلتة خارج القانون. ويؤثر على تراجع الإرهاب. لكن يظل السؤال: هل القرار سيكون تنفيذياً. أم تكتيكياً. وتبادل أدوار المرحلة القادمة.. أم هو نتيجة الإحباط من تحقيق أحلام ما قبل ثورة الخبز التونسية وما بعدها.. أم ان الغنوشي يجد نفسه أمام تغيير المسار في الاتجاه المعاكس الذي يرفع من خلاله ايضاً شعار الاعتدال الذي كان يلوح به بين الحين والآخر.. واصبح يرى انه لابد أن يكون منفذاً لتطور الإسلام السياسي بصورة تجاوزت أحلام السلطة إلى مصادرة مفاهيم العقيدة. وعززت التطرف القاتل. خاصة أن الرقم الأكبر من “المندعشين” في مناطق التوتر كان ومازال من الجنسية التونسية.
كل هذه الأسئلة سوف تظهر إجاباتها في انعكاسات قرار زعيم رفع شعار النهضة في مجتمع كله نهضة كبرى ضد الاستعمار قبل حزب الرجل الواحد.. وحقق تقدماً ثقافياً وعلمياً متطوراً دون فئة ترتدي عباءة الإسلام السياسي. أو قبعة التغريب. وأخيراً هل تخرج الاحزاب الدينية من بوتقة المشهد وتتخلى عن السياسة. أم تبقى مصادر تفريخ للتطرف وإنتاج عناصر تمثل “فاشية” ضد الإسلام.. وضد أمن واستقرار الأمة؟.
باختصار هل نشهد تغييرا حقيقيا يؤكد الطلاق البائن من توظيف الإسلام لأهداف سياسية .. أم أنها مرحلة المراجعة بعد انقضاء العدة؟.
[email protected] — Twitter:@NasserAL_Seheri
التصنيف: