الأرقام الاحصائية في صحفنا

• عبدالله فراج الشريف

الرقم الاحصائي المتوصل إليه بعد جهد من المتخصصين في الاحصاء، هو في الواقع رقم في الغالب لا ينبئ عن حكم إلا عبر تحليله من المتخصصين في العلوم الأخرى كعلم الاجتماع والنفس وغيرهما، ونشر احصائيات في الصحف حكومية خاصة كانت أم أهلية، لا يمكن فهمها إلا عبر تحليل لها من ذوي الاختصاص في كافة المجالات، ولكن هذه قضية تغيب عن كثير من صحفنا، وتسرف في نشر أرقام احصائية بغض النظر عمن صدرت، ولكنها لا تحللها ولا تقدم للقارئ نتيجة لقراءتها من قبل مختص، فتملأ بها في الصحيفة مكاناً لابد من ملئه بكلام مكتوب، ولكن مردوده مفقود، فلا يهتم به القارئ وهو لا يعلم دلالاته، واليوم في صحفنا ظاهرة عجيبة هي إدمان العدد، فهي تذهب إلى المحاكم وتستقرئ سجلاتها كم عرض عليها من قضايا فتعدها، وكم أنجز منها فتعده، وتملأ صحفها بهذا العد، دون أن تقدم لقرائها مادة تحليلية لهذه الأرقام التي تنشرها، وهكذا هي تصنع في كل مجال، فتعد المترددين على المستشفيات، دون أن يعلم أحد عن جدوى هذا التردد وكم عدد الذين نالوا علاجاً حقيقياً، وكم الذين انصرفوا وأمراضهم تأكلهم حيناً بعد حين، كأن صحافتنا استمرأت ملء الصحائف بما ينفع الناس، أو بما لا نفع لهم منه سوى أن يتعبوا أنظارهم بقراءة سطور لا ينتفع بها أحد من قرائهم، حتى شعرنا مؤخراً أن الصحف لا تجد لها قراء حتى ان تكثر من نشر النتائج الرياضية وما يليها من الأمور الماسة بالرياضة، فتلك ما تجد بسببه اقبالا على صحفها حقيقة، ان إمعان الصحف في نشر ما لا يهم القراء حقيقة خاصة في هذا المجال الاحصائي، الذي أصبح يتنامى في اهتمامها به، لمجرد ملء صفحاتها بالعديد من التقارير الخالية عن دراسات تقرأها وكأنها تنقل الينا التقارير الحكومية خالية عن أي تعليق، مما لا يجدي نفعاً في نشرها، فالارقام الاحصائية تصبح صماء اذا لم تدرس بعناية كمؤشرات على حقائق تبرز للقارئ من خلال هذه الدراسات وادمان فكرة العد لما يجري في الحياة من انشطة مهما كانت مفيدة ما لم تحلل وتعرف نتائجها في الواقع، فالعد وحده لا ينبئ عن شيء مهم، والاحصاء العام الذي تقوم به الدول كل عشر سنوات او تزيد انما صمم ليشمل مكونات المجتمع في الوطن، بالصورة التي تتيح للمختصين دراسة نتائج اعداده بالصورة التي تمكنها من معرفة ما انجزت في تقديم الخدمات لافراد المجتمع وما ينقصهم منها لتقدمه لهم، فالاعداد الاحصائية المشتمل عليها احصاء السكان العام، الذي تنفق عليه مئات الملايين، هي ارقام صماء ان لم تحلل للدارسين حتى يمكنهم اقتراح برامج استيفاء احتياجات المجتمع وتوفيرها له، الاحصاء فن تحتاجه المجتمعات الانسانية الحديثة لا ليحقق لها فكرة العد لأنشطتها فقط، وإنما لدراسة واقعها ودرجة تقدمها، وما تحتاجه من البرامج لتواصل التقدم نحو مجتمع إنساني راق، وقد عمل الاحصاء في المجتمعات الغربية على كشف كل ألوان القصور، والتي بعد نشره أخذت في الاختفاء سريعاً بجهود وطنية متلاحقة، ونحن نرجو ان يكون الاحصاء عندنا محقق لما يحققه في الدول الغربية المتقدمة وألا يكون لمجرد العد كما هو عندنا، فهل نصل الى هذه الدرجة الواعية، هو ما نرجو والله ولي التوفيق.

 

ص. ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *