إن العالم يتغير .. افرح يا قلبي …

زين امين

افرح يا قلبي .. لك نصيب تشوف وطني يولد من جديد ..

قبل ثلاثين عاما القيت محاضرة في احد مؤتمرات السعودية والخليج العربي بعنوان ( العالم قرية كونية صغيرة) وكان شعار تلك المحاضرة هو ( ان العالم يتغير) .. واتهمت يومها بالجنون ..وسمعت الكثير من التعليقات الساخرة علي ما قلت وتوقعت واستشرفت .. ولكنني كنت مقتنعا ومثابرا علي نشر ذلك الوعي بين ابناء ومنظمات وطننا العربي ..

وحملت حقيبتي واوراقي وطفت العالم العربي القي تلك المحاضرة وابذل جهدا خارقا في الوصول الي عقول وقلوب الحاضرين لاقنعهم واهيب بهم كي يستعدوا للايام والسنوات القادمة آن ذاك ..بل ويجب ان يساهموا وان يكونوا فاعلين في هذا التغيير .. القادم الجارف ..

وبعدها بسنين ادركت ان العالم يخطو خطوات جبارة في التغيير نتيجة تطور تكنولوجيا الاتصالات وثورة المعلومات فقمت باعادة صياغة محاضرتي لانني شاهدت ان قريتي الكونية الصغيرة ..اصبحت ناضجة وذكية ..فاطلقت عنوانا جديدا لمحاضرة اخري محتواها ورسالتها مختلفين واسميتها ( العالم قرية كونية ذكية) والقيت تلك المحاضرة في جامعة عين شمس في كلية الطب النفسي بدعوة من الراحل الاستاذ الدكتور عادل صادق ..وكان ذلك في حفل تخريج مئات من الاطباء بدرجتي الماجستير والدكتوراه ..وكان صدي المحاضرة قويا جدا ..

وتوالت المحاضرات والاحداث والتغييرات التي اكتنفت العالم وتسارعت وتيرتها وابتدأنا نشعر بذلك التغيير الذي يلف حياتنا جميعا .. وكان طوال مسيرة تلك الفترة هو اعداد وتنفيذ برامج تدريبية لاعداد مدراء بطرق واساليب غير تقليدية يؤمنون باهمية وارادة التغيير وادارته .. حيث ادخلنا تلك المفاهيم والعلوم والمهارات ضمن مناهج التدريب ..واجزم ولله الحمد ان تلك البرامج اتت اكلها في اعداد مدراء قادرين علي التعامل مع معطيات ومتغيرات العصر القادمة .. حيث اسمينا خريجي تلك البرامج مدراء العام 2000.

وواصلت جهودنا انا وزملائي في السعودية بدعم قوي منقطع النظير من العملاق الراحل الكابتن احمد مطر .. مدير عام السعودية آن ذاك وبتأييد من رؤسائي في تلك الفترة اقتناعا منهم باهمية التفاعل مع التغييرات التي تطرا علي صناعة النقل الجوي وادارته ..

وبعد التقاعد احسست باندفاع قوي كي اواصل رسالة التغيير ..وذلك عن طريق القاء المحاضرات ونشر المقالات في صحيفتي الغراء البلاد ..وكان ترحيبهم عظيما داعما لاهمية نشر الوعي المستقبلي لتطور العلوم والتكنولوجيا وتأثيراتها علي الحياة ..

قبل فترة كتبت مقالا عن قيادة المرأة للسيارة وقلت من الان وصاعدا لا يوجد مبررا كي ندفع في هذا الاتجاه حيث ان السيارات اصبحت ذكية وذاتية القيادة فستحل المشكلة ..وما علي النساء الا اقتناء تلك السيارات ..وقلت ان التكنولوجيا كفيلة بحل مشاكل البشر .. ولم يقدر لتلك المقالة ان تري النور بسبب تسارع احداث التغيير في وطننا .. وفاجأتنا الدولة واصدرت قرارا تاريخيا بالسماح بقيادة المراة للسيارة ..وهكذا كان حدثا شجاعا للتغيير اسرع مما نتوقع.

وتتابعت احداث وقرارات التغيير التي تعرفونها حتي كان ذلك الزلزال الجارف الهادر الشجاع بقرارات مكافحة الفساد .. وانا هنا لا اخوض في شماتة او اتهامات فالتحقيقات حرية باثبات ذلك ..بل اقول ان اية امة تنشد المستقبل لا بد لها ان تعمل علي مكافحة الفساد وتضع القوانين والنظم والاجراءات التي تكفل النزاهة والشفافية في التعاملات المالية والاهداف الوطنية ..فالفساد لا يقتصر علي النهب والسرقة والرشوة ..بل في راي ياخذ جوانب اوسع ومتعددة في ادارة امورنا وحياتنا .. حيث ينطبق ذلك علي التعليم والصحة والاسكان وباختصار شديد ينطبق علي كل ما يعود علي جودة ونزاهة الاعمال ورفاهية الفرد والمجتمع.

يا سادة ..لقد ادركت القيادة بحكمة بالغة اهمية القضاء علي الفساد وهي تخطو الخطوات الاولي لاعادة بناء الوطن فالفساد يقوض المساواة بين افراد المجتمع ويكون سيفا مسلطا علي رقاب الشرفاء واعاقتهم في تحقيق آمالهم وطموحاتهم ..ويذهب الفساد الي ابعد من ذلك فهو عامل رئيسي في تعزيز مشاكل البطالة وهدر المال العام ويكون عائقا امام التنمية الشاملة وتحقيق احلام الوطن.

وبنفس الشجاعة والقوة ..وبسرعة البرق ..اري انه علي الدولة ان تتخذ خطوات اخري عملاقة في قطاعات الصحة والاسكان والبني التحتية للمدن ونظافتها وتعزيز وتطوير شبكات الاتصالات والمواصلات ..وتحرير النشاطات الثقافية والفكرية والعلمية من القيود الادارية والاجرائية ..واطلاق قدرات الفكر الابداعي الحر ومناقشة آفات المجتمع بشفافية مطلقة ووضع الحلول الناجعة لها ..

عزيزي القارئ المرحلة القادمة ..تحتاج الي تركيز شديد علي تطوير المجتمع ومنهاجه التنويري وذلك عن طريق وضع استراتيجيات واضحة ومدروسة تتولي اعادة صاغة الوجدان الجمعي للمجتمع بتوظيف وسائط التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي وبالدرجة الاولي مناهج التعليم ..

فقضية التعليم في وطني تاخذ اولوية قصوي وتحتاج الي قفزة عملاقة غير مسبوقة عالميا ..وبعيدة كل البعد عن تقليد الامم الاخري في سياساتها التعليمية ..فكل مجتمع له ظروفه ومتطلباته واولوياته ونهجه وسلوكه وفكره .. فنحن في حاجة الي منظومة تعليمية عصرية تخرج عن الاطر التقليدية في مناهج التعليم وطرق الاداء والبيئة التعليمية ووسائطها ..

انني علي ثقة تامة ان قيادة التغيير لديها من الادراك والحكمة ان تتخذ قرارا شجاعا مزلزلا لتغيير التعليم وكسر المعتقدات البالية بان تحول التعليم وتغييره يتطلب سنين عديدة .. انني علي يقين ان قيادة الوطن بفكرها الفذ تدرك اهمية تغيير المنظومة التعليمية لاكمال مسيرة رؤية 2030 وبناء حياة جديد انطلاقا من نيوم المشروع العملاق.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *