أخيراً تحرك جون كيري في أول خطوة لطرح مشروع أمريكي لحل الأزمة اليمنية.. خطوة أمريكية متثاقلة ومترهلة تجاوزتها المرحلة في مشهد الصراع وفي مسيرة الزمن المتبقي لطاقم “سدنة” البيت الأبيض أمام سباق انتخابات رئاسية مختلفة في تاريخ الاتحاد الأمريكي.

وهنا لن أتحدث عن المستقبل أمام مخاض صعود سيدة يصفها الجمهوريون “بالحرباء” ولا عن رجل يصفه الديمقراطيون “بالمجنون” لكنني سوف اقفز إلى الخلف متجاوزاً نصيحة تقول: لا تتذكر سلبيات الماضي فتصاب بالحزن والإحباط نحو القادم!!

فقد تعودنا في الشرق الأوسط على أن استراتيجية السياسة الأمريكية في هذا الجزء من العالم تعمل على تغذية صراعات تولد من رحم ممارسة المخابرات العتيقة في صناعة وإدارة الأحداث. ورسم سياسات أروقة البيت الأبيض وتفاصيل صناعة القرار في بعده ومختلف جوانبه التي تأخذ في الاعتبار مسافات وتداعيات المراحل القادمة ومدى انعكاساتها على المصالح الأمريكية أولاً وثانياً وعاشراً.

وكي تتحقق هذه الاستراتيجيات في منظوماتها المتعددة. فإنه يتم الانطلاق من تنمية ورعاية “البذرة” الأولى للصراع من خلال الدعم اللوجستي واستمرار تغذيتها حتى تتضخم وتكبر.. وتصبح الحلول تمثل مشكلة في حد ذاتها.. في مشهد يتجاوز حجم القضية كان هذا هو الموجز.. وفي التفاصيل أنباء أسوأ!!

حين نعود إلى ذاكرة المسلسل الأمريكي في منهجه ومحطاته التاريخية. نجد أن القضية الفلسطينية كانت قد حظيت بحماية ورعاية أمريكا ودعم هجرة اليهود من أنحاء العالم إلى الأراضي المحتلة لتكريس الوجود الإسرائيلي. مع استخدام الفيتو أمام كل الحلول.

ولم يكن الحديث عن السلام إلاَّ بعد أن فرضت واشنطن وجود الدولة العبرية قوة تقف أمامها خيارات الحرب والتطبيع. ليكون كامب ديفيد تدشيناً لتحول كبير في ملعب الصراع لصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة على المدى البعيد وذلك من خلال تتويج شرطي المنطقة.

وهنا لن نتحدث عن الانعكاسات في مسار القضية وقناعات دول أخرى من خلال التأثير للوصول إلى التطبيع من منطلقات فرض الأمر الواقع. ومن ثم بدأت واشنطن في الحديث عن حلول خجولة تأتي بعد انقضاء الجزء الأكبر من فترة رئاسة البيت الأبيض في مراحل الرؤساء الأمريكيين.

وذلك بعد كامب ديفيد. ونذكر جيداً كيف كان تحرك جيمي كارتر بعد نجاح مهمته الكبرى. ثم كيف فعل رونالد ريجان بعد نجاح مهمته في اسقاط الاتحاد السوفيتي مروراً بجورج بوش الأب بعد تحرير الكويت وبيل كلينتون الناعم إلاَّ من خلال قصف بغداد في ليلة ماطرة اطلق عليها ثعلب الصحراء. ليكون بوش الابن أقل حديثاً عن السلام بعد غزو العراق. وصولاً إلى أوباما الذي بدأ مؤخراً يلوح بحلول تجاوزتها المرحلة.

ومن ثم.. ومن خلال ما تقدم فقد أردت أن أشير إلى التجربة في أهم وأساس قضايا الشرق الأوسط ليتضح أن ما تقوم به واشنطن حالياً من مساع في الوقت الضائع تجاه الوضع في اليمن وفي سوريا والعراق.

لم يخرج عن نفس الاستراتيجية الثابتة التي تتمثل في عدة محاور ما بين دعم ولادة المشكلة في الشرق الأوسط.. والصمت لرؤية بلوغ المولود بعد الحضانة عن بعد.. ثم التلويح بمساع خجولة قبل الرحيل يدرك صناع القرار ومعاونوهم في واشنطن ومعهم العالم أيضاً بأن التحرك الأمريكي نحو الحلول أصبح في حد ذاته مشكلة تتجاوز في حجمها كل ملفات الصراع.

هكذا يشكل جون كيري نسخة من الذين سبقوه في الخارجية الأمريكية.. من خلال مهمة إلقاء النظرة الأخيرة على الانقاض في الشرق الأوسط وتوريث القادم الأسوأ!!

واليوم وفي تلويحة الوداع لكل العرب الذين كانوا يراهنون على حميمية عهد الرئيس الديمقراطي الأسود في البيت الأبيض تغريدة أخيرة أيضاً تقول: أوباما يسلِّم عليكم!!

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *