حماية الميزانية من الفساد
في حديثه الهام الذي أدلى به إلى صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية يوم أمس الأول، أكد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع على الكثير من المحاور ومنها ما كانت تتعرض له الميزانية العامة للدولة من فساد يصل إلى 10% من حجم الانفاق الحكومي. وهذه قضية هامة تعكس مدى تجسد الفساد في استغلال النفقات من بعض الذين لا ضمير لهم ولا مسؤولية.
واليوم أشير إلى مقال كنت قد نشرته هنا حول هذه القضية بتاريخ 22/ 1/ 1432هـ تحت عنوان (حماية الميزانية من الفساد) وأعيد نشره اليوم كاملاً دون حذف أو إضافة. حيث كان قد نشر طبقاً للنص التالي :
بعد إعلان نائب خادم الحرمين الشريفين الميزانية الجديدة للمملكة وبعد إعلان تفاصيل بنود الإنفاق التي تضمنت أرقاما غير مسبوقة في بناء وتنمية الكثير من المشروعات الحكومية.. فإننا اليوم نجد أننا أمام تحديات صعبة. وأمام الكثير من الأسئلة ومنها: كيف يمكن تنفيذ هذه المشروعات دون أن تتعرض إلى استغلال العقود في ترسيات على شركات ومؤسسات غير مؤهلة؟.. كيف يمكن أن يتفاعل كل مسئول منحته الدولة ثقتها ليكون أمينا على ما يخصه من تنفيذ ومتابعة هذه المشروعات وصرف الأموال بشكل يحقق الهدف الذي تم اعتمادها من أجله؟.. وكيف يمكن إغلاق الباب أمام الوسطاء وسماسرة التقبيل من «الباطن» خاصة أننا أمام عقود بالمليارات ولم يعد «لمئات» الألوف مكان في كثير من المشروعات؟! في حين أن بداية الخطة الخمسية كانت قد شهدت العقود الحكومية بورصة التقبيل والبيع، بحيث كانت تنتقل إلى أكثر من 3 مؤسسات و”الكل يربح” غير أننا كنا نعزي ذلك إلى دخول شركات أجنبية تقوم بتحميل نفقاتها ومنها معداتها والضرائب في بلدانها الأصلية.. وكذلك استقدام وتنقل خبرائها وتقنيتها.
وأذكر هنا أن معالي الأستاذ محمد أبا الخيل وزير المالية السابق قال لي يوماً: إن إحدى الشركات الأجنبية كانت قد دخلت لتنفيذ أحد المشروعات الحكومية وقلنا لهم إن حجم المبلغ الذي تضمنه العقد كبير جداً إذا ما نظرنا إلى التكاليف الحقيقية للمشروع وطلبنا منهم كشفاً لمصروفات الشركة.. فوجدنا – والكلام مازال لـ «أبا الخيل» -: إن راتب الطباخ في تلك الشركة هو 50 ألف ريال شهرياً و لك أن تتخيل كم راتب المهندس ومدير الشركة في حين أنهم لا يمكن أن يدفعوا هذه الرواتب ولكنها مبررات من أجل تحميلها على عقد المشروع، انتهى كلام الوزير.
واليوم نجد الشركات والمؤسسات السعودية هي التي تحظى بهذه العقود ونفقاتها أقل بكثير من نفقات الشركات الأجنبية، وبالتالي فإن أسعارها يجب أن تكون بعيدة عن المبالغة.. خاصة ونحن نسمع ونقرأ أرقاما خيالية للمشاريع الصغيرة والكبيرة على حد سواء.. وبعض هذه الأرقام لا يحتملها العقل.
وبالتالي فإن مسألة استغلال طموحات القيادة وإنفاقها بسخاء على المشروعات أرى أنه يجب أن يقابلها رقابة صارمة على المال العام، ومنها إخضاع العقود الحكومية لدراسة متخصصة من قبل لجنة مستقلة تقوم بتحديد التكاليف الحقيقية للمشروعات وهامش الربح للشركات والمؤسسات التي تدخل المنافسة للتنفيذ على أن تكون مرجعية هذه اللجنة مجلس الوزراء.. وذلك من أجل منع المتاجرين بالعقود والمنتفعين ممن ليس لهم ضمير.. حتى لا يعيدنا هؤلاء إلى سوق «سماسرة» الطفرة والفساد.
التصنيف: