عبدالله قصة للتاريخ.. ووطن يسلم بسلمان

• ناصر الشهري

قمة الحيرة.. والصعوبة أن تكتب عن عبدالله بن عبدالعزيز.. وقمة التحدي أن تصيغ عبارة عن قمة الإنسانية. والأكثر من ذلك أن تقول شيئاً وأنت تعيش قمة الحزن الذي يلفه الألم.. في مشهد يقف فيه الوطن والناس في الداخل والخارج أمام فاجعة رحيل قائد مختلف استطاع أن يمتلك قلوب الناس. فكان أكثر قرباً إلى كل الشرائح البشرية.في حميمية لا ترتهن إلى المكانة ولا المكان فحسب.. بل إلى أخلاقيات الإنسان المؤمن بربه. وحرصه البالغ على حقوق الأمة.
عبدالله الملك الذي امتلك كاريزما مخيفة للظالم ومحببة للمظلوم. وأبوية تشعر من ينظر إليه بالعطف والإحسان.. وحزم في صناعة القرار حين يعمل على تحويل الخوف إلى أمان من العدوان.
وعلى الصعيد السياسي في العلاقات مع أمريكا والغرب. دعونا نعود إلى بداية حكم الراحل, يرحمه الله. فقد كان حديث عدد من المراقبين يدور حول ما كان يقال: إن عبدالله بن عبدالعزيز لا يحب أمريكا وأن لديه خطاب مختلف نحو السياسة الأمريكية. وقد يؤدي خطابه هذا إلى تراجع كبير في العلاقات بين الرياض وواشنطن إن لم تصل إلى القطيعة. غير أن الرجل بحنكته السياسية نحو المعالجة الحقيقية لهذه العلاقات وتعديل مساراتها من خلال محورين.. الأول: فرض الاحترام المتبادل. ورفض التدخل في الشؤون الداخلية والمحيط العربي بما في ذلك أي محاولات لاملاءات أو مؤشرات تنال من التضامن العربي وسلامة شعوبه. إضافة إلى اصراره على أن القضية الفلسطينية هي محور أساسي في قضايا الشرق الأوسط ..مؤكداً على أن المملكة لن تتوقف عن دعم الفلسطينيين كأصحاب حق, وأن عربية القدس ستظل من المطالب الإسلامية. وأنه لا استقرار في المنطقة دون تنفيذ مبادرة السلام التي طرحتها المملكة وأيدتها جامعة الدول العربية من خلال قمة بيروت.. وما دون ذلك فإن خيارات الحرب والسلام ستظل تواجه الكثير من المخاطر إذا استمرت بعيدة عن طاولة الحوار.
كان ذلك في أول زيارة له إلى اشنطن أمام الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب.. وهو موقف لم يتغير رغم المحاولات الأمريكية والإسرائيلية ومؤثراتها مع دول أوروبية.
وعلى مستوى المحور الثاني: عمل الملك القوي بإيمانه وحكمته على صناعة نهضة حضارية لبلاده شملت الكثير من الاصلاحات الكبرى  لبناء الأرض والإنسان في مختلف المسارات المتوازية.. وأسس لانفتاح على العالم من خلال الحوار الوطني ثم حوار الحضارات..بعد أن فتح آفاق المعرفة. وتعظيم المشاركة الوطنية وذلك في تشريع مؤسسات المجتمع المدني الذي اعطى الثقة لرجال ونساء وطنه ووضعهم أمام تحديات المسيرة التنموية وطموحاته في استثمار العناصر الوطنية في كل مجال. ليبدأ في مسار أكثر تحدياً لأي دولة أو مجتمع في العالم.. وهو الانطلاق نحو العالم بقوافل من أبناء وبنات الوطن لمزيد من التأهيل لمستقبل أكثر طموحاً.. فكان له أن يلجم كل الشعارات التي كانت تتحدث عن هذا الوطن في دس رخيص ومزايدات باهتة.. ولم يتوقف عند هذا الحد. بل عمل على محاربة الإرهاب وتصحيح مسار الدعوة الإسلامية. وخدمة الإسلام.. حيث قام بأكبر توسعة في تاريخ الحرمين والمقدسات في كل من مكة المكرمة المكرمة والمدينة المنورة. قلت لكم في البداية إن الحديث عن خادم االحرمين الشريفين الراحل يشكل قمة في الصعوبة والحيرة.
لكنه وإن غادرت روحه إلى رحمة رب العالمين إلا أن عبدالله بن عبدالعزيز سيبقى في ذاكرة التاريخ قصة وطن.. وإنجازات لا تموت. وعزاؤنا أن يسلم الوطن بقيادة سلمان بن عبدالعزيز.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *