ذاكرة الانتحار السياسي

• ناصر الشهري

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]ناصر الشهري[/COLOR][/ALIGN]

من مقر سجنه في العراق.. ومن ذاكرة رجل انهكته السياسة في منظومة قيادة أوصلته إلى حكم الاعدام.. يتحدث طارق عزيز رئيس وزراء العراق ووزير الخارجية في عهد صدام حسين في حوار من جزئين لقناة (العربية) .. حوار قالت زوجة عزيز من مقر اقامتها في عمان إنه كان قد جرى تسجيله منذ عامين. وقد تدهورت حالته الصحية وأصبح مقعداً لا يستطيع الكلام. وهو ما لم تشر إليه قناة العربية بالنسبة للتوقيت!!
لكن دعونا نلقي الضوء على بعض ما ورد في كلام الرجل المخضرم الذي لعب دوراً في حكومة \”الرعب\” وتعايش مع أحداث عصفت بالعراق. ورسمت خارطة السقوط الذي لم يدفع ثمنه صدام حسين ولا بقية فريق حكومة البعث.. ولكنه العراق الارض والإنسان من دفع وما زال الكثير من نتائج ممارسة تلك المرحلة.
يقول طارق عزيز انه لم يدلِ برأيه في قرار صدام حسين غزو الكويت. ثم عاد ليقول إن الأخير كان مريضاً عندما اتخذ القرار !!فهل سمعتم أن زعيماً عالج مرضه باحتلال بلد آخر؟.
وهل من المعقول أن يكون رئيس وزراء ووزير خارجية بحجم طارق عزيز آخر من يعلم؟.. ثم هل نسي التصريحات النارية التي كان يطلقها زاعماً حق العراق في احتلال ما أسموه المحافظة التاسعة عشرة؟!
وإذا كان قد اعترف بأن اسعار النفط التي انحسرت إلى 7 دولارات للبرميل في سوق دول منظمة أوبك .والتي من ضمنها العراق والكويت وقال إنها سبب قرار الغزو. فلماذا لم يقل لصدام إن الكويت وجميع دول المنظمة النفطية تعاني من هبوط الأسعار عند نفس المستوى !!.
وفي سياق الحديث يتناقض طارق عزيز ليعود بالقول: إنه لم يتم استشارته وإن صدام طرح علينا قرار غزو الكويت ونحن في اجتماع.. فهل يمكن القبول بأن رئيس وزراء على طاولة الحكومة يلتزم الصمت؟ هذا غير صحيح. بل الحقائق التي ظهرت بعد عام 1990م تقول إن عزيزاً وعزت الدوري الذي حاول تبرئة دوره هو الآخر قد صفقا للقرار وقال عزيز حينها \”بوركت أبا عدي.. وعاشت العراق حرة أبية وإلى الأمام ونحن معك\” !!
وعن الحرب مع إيران قال إن حكومة طهران كانت تعتزم احتلال العراق وذلك من أجل أن يحكم الخميني من النجف الأشرف كي ينصب نفسه زعيماً للأمة الإسلامية من مقر مرجعية تاريخية هامة لشعب تتفوق فيه التركيبة الشيعية من حيث عدد السكان.
وهذه رواية مختلفة عن مسوغات الحرب المعلنة . حيث أن العراق هو الذي بدأ الحرب بورقة \”مضيق هرمز\” بعد تمزيق صدام حسين لاتفاقية الجزائر حول المضيق. فهل كان المعلن شيئاً والمخفي شيئاً آخر؟
ثم يأتي عزيز في حواره للعربية إلى قضية \”حلبجة\” ليقول: إن السبب كان استقبال الأكراد للإيرانيين على جزء من أرض العراق. ليعود في طرحه قائلاً : إنه من حق الأكراد الانفصال!! فلماذا يكون هذا الحق لهم اليوم وبالأمس كان مرفوضاً بالسلاح الكيماوي؟!
وفي سياق الحوار كانت هناك تناقضات بعيدة المسافات ما بين تبرير الأخطاء. والاعتراف بها وبنتائجها المريرة. فهو يضيف بقوله إنه لم يكن هناك مساع عربية أو دولية للتوسط في انهاء الصراع سواء مع ايران أو الكويت. متناسياً عزيز أن الوساطات استمرت على مدى 7 شهور من احتلال الكويت و8 سنوات من الحرب مع إيران من خلال المساعي الحميدة دون أن تجد أي تجاوب من صدام حسين الذي قال عنه إنه لم يكن يكره أحداً وهذه كبيرة!!
ثم يعترف طارق عزيز في لقائه الأخير انه كان يدرك جيداً أن الأمريكيين قادمون. وأن العراق سوف تنتهي.
وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم ينصح القائد وبقية فريق النظام بهذه الخطورة لمستقبل العراق من موقعه كرئيس وزراء ووزير خارجية. وله مكان الثقة والتقدير عند صدام حسين كما قال في معرض الحديث!!
وهنا أشير إلى أنه لا يمكن الانكار بأن صدام حسين كان شخصية قيادية قوية حتى في مشهد موته مشنوقاً. لكنه كان ضعيفاً في الحنكة السياسية وإدارة الأزمات بعيداً عن قوة السلاح لا في الداخل ولا مع الخارج.
وفي الوقت نفسه لم يكن معه الفريق الذي يستطيع اختراق \”الأنفة\” وقرارات التهور عند الرجل بروح العقل ومنطق الحكمة.
فهل كان طارق ووزراء حكومته هم الذين جهزوا \”حفرة\” النهاية في محاولة لإيصال صدام إلى الانتحار السياسي بمفرده ليصعد منهم البديل.. أم أن ضعف الفكر أمام قوة الرئيس قد أوصلهم جميعاً إلى نفس المصير الذي ترك إرثاً مؤلماً للعراق وللأمة العربية على حد سواء؟
إنها تجربة تركت للتاريخ قصة.. وكتبت للقادة حكمة تقول: إن القوة ليست في شخصية الحاكم أو سلاحه.. ولكنها في وعيه وحجم تفكيره ومن يعملون معه بأمانة وصدق ورؤية الحاضر والمستقبل من زوايا متعددة.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *