الرياضة

عمــال المونديال.. عامان من المعاناة والأحزان

جدة – محمد صالح

امتعضت منظمة العفو الدولية، غير الحكومية، في تقريرها الصادر مؤخرا، من تأخر دولة “قطر” في صرف رواتب عمال كأس العالم 2022، والذين لم يتسلموا رواتبهم لأشهر ماضية عدة، حتى هذه اللحظة.

وقد كشفت المنظمة في تقريرها أن عدد المتضررين يصل للمئات، وقامت تلك المنظمة بإجراء لقاءات مع 78 عاملا قالوا: إن آخر راتب تقاضوه كان في فبراير 2016، وأشارت إلى أن نظام الكفالة القطري فاقم من المشكلة؛ إذ يحظر على الموظفين تغيير أصحاب العمل أو مغادرة البلاد؛ مما مكن الشركات المختلفة من استغلال الموظفين الأجانب، رغم التصريحات التي تطلقها الحكومة القطرية من وقت إلى آخر، بأنها بذلت جهودا كبيرة لتحسين ظروف العمل للعمال الأجانب، لاسيما نظام (الكفالة»)، لكن دون جدوى.

وأوضح التقرير بأنه تم إبلاغ المنظمة بأنه سُمح لبعض العمال بمغادرة قطر لكن على نفقتهم الخاصة. وصرح أحدهم، وهو رئيس عمال مواسير في الفلبين ويدعى أرنستو، بأنه لم يحصل على رواتبه لمدة 4 أشهر، وأنه الآن أكثر مديونية مما كان عليه عندما وصل إلى قطر. واضطر بعض النيباليين – الذين لم تُدفع لهم أجورهم- إلى إخراج أطفالهم من مدارسهم. وفي نوفمبر الماضي، تواصلت منظمة العفو مع المدير التنفيذي لشركة ميركوري مينا، الذي اعترف (بوجود مشكلات في التدفقات النقدية)، فيما حاولت وكالة الأنباء الفرنسية الاتصال بالشركة لكن دون جدوى، وذلك بحسب صحيفة لوموند الفرنسية.

وأعلنت قطر في بداية سبتمبر، أنها ستلغي تأشيرات الخروج للعمال الأجانب الراغبين في مغادرة البلاد، ولكن لم يتم الإبلاغ عن تاريخ دخول هذا الإجراء حيز التنفيذ، وترى الكاتبة الرئيسة لتقرير منظمة العفو الدولية، ماي رومانوس، أن التحسينات والإصلاحات في قطر بطيئة، والوقت ينفد؛ حيث لا زالت الانتهاكات تلحق بالعمالة الوافدة في قطر، وذلك عندما كشف تحقيق جديد أجرته منظمة العفو الدولية (amnesty) عن زيف هذه الإصلاحات، وأشار إلى تواصل عمليات الاستغلال التي يتعرض لها العمال الأجانب في الدويلة المعزولة.

وقالت المنظمة: إن الإصلاحات الموعودة من جانب الحكومة القطرية لنظام الكفالة لم تتحقق، مُشيرةً إلى أن العمال المهاجرين الذين يشيدون مرافق البنية التحتية الخاصة باستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم المزمعة في 2022 ، وغير ذلك من المشروعات الكبيرة في قطر (لا يزالون يعانون من الاستغلال والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان).
وأشارت المنظمة في تقريرها، إلى أن المشكلة الرئيسة المرتبطة بنظام الكفالة، والتي تفتح الباب أمام استغلال العمالة المهاجرة العاملة في قطر، لا تزال قائمة وهي تلك المتعلقة بضرورة ارتباط العامل بجهة عملٍ واحدةٍ، وهو ما يحرمه بشكل كامل تقريباً من الحق في تغيير عمله.

وشددت على أن الإصلاحات القطرية المزعومة، والتي يُفترض أنها تتم من خلال منظمة العمل الدولية، التي فتحت مكتباً لها في الدوحة قبل شهور، (تمضي ببطء شديد للغاية).

وقللت (amnesty) من أهمية إلغاء النظام القطري اشتراط حصول الجانب الأكبر من العمالة الوافدة على تصريحٍ لمغادرة البلاد، مؤكدة أن ذلك لا يعدو سوى إنهاء لـ(عنصر رئيس واحد من عناصر منظومة الكفالة) سيئة السمعة في قطر، والتي أدت إلى وجود إساءات واستغلال على نطاق واسعٍ للعمال المهاجرين، بما يشمل العمل القسري.
وأبرز تقرير المنظمة استمرار وجود الكثير من القيود المفروضة على العمالة الأجنبية في قطر، من قبيل إلزام أفرادها بالحصول على شهادة عدم ممانعة من جهة عملهم، إذا ما أرادوا الانتقال من عملٍ لآخر.

وأشار التقرير إلى أن الكثير من أرباب العمل يرفضون إصدار هذه الشهادات، ليجبروا العمال على البقاء (في أعمالهم التي يريدون تغييرها) حتى يحين موعد انتهاء سريان عقودهم، التي قد تستمر خمس سنوات.

وألقى التقرير الضوء كذلك على العقوبات القاسية التي تتضمنها القوانين القطرية المجحفة بحق العمال المهاجرين، قائلاً: إن ترك هؤلاء لوظائفهم من دون إذنٍ من جهة العمل، يوصف بأنه فرار ويستوجب توجيه اتهام جنائيٍ لمرتكبه، وهو ما قد يقود إلى اعتقاله وترحيله، بالمخالفة مع قوانين العمل الدولية، والمعايير المعمول بها في هذا الصدد.

وتتهم الشركة بأنها استفادت من وجود نظام الكفالة؛ من أجل استغلال آلاف العمال المهاجرين، وتأخير صرف رواتبهم، وفي مقابلات أُجرتها المنظمة الحقوقية الدولية في نيبال، قال 34 من عمال الشركة: إنها تدين لهم بأكثر من ألفي دولارٍ في المتوسط لكل منهم، وأشار أحدهم إلى أن (ميركوري مينا) ساومته في أكتوبر من العام الماضي على منحه تصريحاً بالعمل في شركة أخرى مقابل موافقته على التنازل عن مستحقاته المالية لديها.

وتكشف هذه الأدلة الدامغة زيف ما أعلنه (نظام الحمدين) مطلع الشهر الجاري بشأن إصدار أمير قطر تميم بن حمد مرسوماً لتعديل بعض القوانين المجحفة بحق العمالة الوافدة، وذلك في إطار محاولة الحكومة القطرية التظاهر، بأنها تتعاون مع منظمة العمل الدولية لوضع حد للانتهاكات التي يتعرض لها هؤلاء العمال، والتي تثير غضباً واسعاً في مختلف أنحاء العالم.

وفي هذا السياق، قال ستيف كوكبورن المسؤول البارز في منظمة العفو: إنه بالتوازي مع إعلان حكومة الدوحة في العام الماضي اعتزامها إجراء إصلاحات لنظام العمل، كان العشرات من موظفي “ميركوري مينا” عالقين في مساكن عمالية سيئة من دون أجور، متسائلين متى ستأتي وجبة طعامهم التالية، وعما إذا سيصبح بإمكانهم العودة إلى بلادهم لعائلاتهم، وشدد كوكبورن على أن ما فعلته هذه الشركة (ليس حالة معزولة)، مؤكداً أن منظمته ستواصل الضغط على السلطات القطرية؛ حتى يتم الوفاء بالوعود الخاصة بإصلاح نظام الكفالة، وتوفير الحماية لحقوق العمال الأجانب بشكل كامل في كلٍ من القانون والواقع الفعلي.

رق وعبودية
وكانت صحيفة «لوموند» الفرنسية، قد أعربت عن مخاوفها من مصير العمال الأجانب في قطر. فتحت عنوان «قلق حول مصير عمال مونديال 2022 في قطر»، أشارت الصحيفة إلى المخاوف حول مصير العمال الأجانب في مواقع بناء الملاعب القطرية، في ظل استمرار ارتفاع حالات الوفيات من جراء ظروف العمل وإهمال أمن وسلامة العمال، مع محاولات التغطية المستمرة على بيانات وإحصاء العدد الحقيقي للوفيات. وسردت «لوموند» الظروف المجحفة التي يعمل فيها العمال وتسببت في وفاة المئات، منها ارتفاع درجة الحرارة التي تتجاوز 50 درجة مئوية، وتسببت بشكل رئيسي في ارتفاع حالات الوفيات خلال الفترة الماضية، إلى جانب نظام الكفالة بإخضاع العمال الأجانب تحت إرادة أصحاب العمل في الدوحة، ويحظر عليهم التصرف في أي شيء أو تغيير وظائفهم أو حتى مغادرة البلاد دون إذن الكفيل.

ونقلت الصحيفة شهادات العمال الذين رفضوا الكشف عن هويتهم خشية استهدافهم من قبل السلطات القطرية، موضحة أن آلاف العمال المهاجرين الذين ينحدرون من أصول آسيوية والذين يعملون في مواقع البناء، يجدون أنفسهم في ظروف أشبه بـ«الرق والعبودية»، ونوهت بأن «ما يحدث في قطر يدق ناقوس الخطر حول انتهاك أبسط حقوق الإنسان». ودعت «لوموند» منظمات المجتمع المدني إلى إغاثة هؤلاء العمال، وإجراء تحقيقات استقصائية حقيقية على أرض الواقع، والضغط على السلطات القطرية لإلغاء نظام الكفالة.
كارثة
ولفتت الصحيفة إلى ما أوردته صحيفة «غارديان» البريطانية، في تحقيق استقصائي لها عام 2013، وكشفت عن تلك الكارثة المدوية، موضحة أن اتحاد العمال الدولي أكد أن هناك أكثر من 4 آلاف عامل معرضون للخطر ومهددون بالموت في قطر آنذاك حتى 2020 بانتهاء الأعمال المقررة للبناء.

وكانت منظمة «شيربا» الحقوقية غير الحكومية، تقدمت بشكوى ضد شركة «فينسي» الفرنسية للمقاولات فرع الدوحة القائمة على أعمال البناء بالتعاون مع شركة «ديار» القطرية، للتنديد باستخدام السخرة في تشغيل عمال وافدين بمشروعات بناء مرتبطة بتنظيم المونديال في قطر، إلا أن لجنة التحقيقات حفظت الشكوى، ما أثار سخط العمال المتضررين بعدما أكدت المنظمة وقائع السخرة وتعرض العمال للتهديد.

وزلزلت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية، في مايو الماضي، الرأي العام الدولي بتقرير تضمن شهادات صادمة كشفت عن ظروف العمال الأجانب القاسية في قطر، لا سيما القادمين منهم من نيبال، الذين يعملون لأكثر من 70 ساعة أسبوعياً، كما لم يتقاضَ هؤلاء العمال أجورهم المتفق عليها.

الغفران تشكو للفيفا
وفي السياق، ولأن ظلم وانتهاكات النظام القطري لا تأتي فرادى، تقدم وفد من قبيلة الغفران بشكوى جماعية إلى جياني إنفانتينو، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، يطالبون فيها بسحب تنظيم كأس العالم 2022 من قطر؛ بسبب انتهاكاتها ضد أبناء القبيلة وإقامة منشآت رياضية على أراضِ سلبت بالقوة منها. وتوجه الوفد إلى مدينة زيورخ السويسرية حيث مقر الاتحاد الدولي لكرة القدم، وكتبوا في الشكوى: النظام القطري اغتصب أراضينا واستغلها في إقامة منشآت كأس العالم 2022، وهذا يخالف ما يحرص عليه الاتحاد الدولي لكرة القدم، فكأس العالم يتابعه تجمع بشري كبير، ويحرص على الإخاء والمودة بين الشعوب، وهذا يخالف ما تفعله قطر التي تظلم أبناءها بهذا الشكل، فالدولة آذتنا وأسقطت عنا الحقوق، بينما ينص فيفا على أن تحافظ الدولة المنظمة للمونديال على حقوق الإنسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *