الأرشيف المنبر

رمضان وتهذيب النفس

رمضان شهر الخير فيه يتمتع الإنسان المسلم بمميزات عدة .. فيمتنع الإنسان المسلم عن الطعام والشراب طمعاً بوعد الله على لسان رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم حيث جاء في الحديث إن أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.أي فرحٍ يعتري المسلم وهو يعرف أن الله لا يخلف وعده وأنه سبحانه وتعالى ينجز وعده؟ ..هنيئا لك أخي المسلم وهنيئا لي ولكِ أختي المسلمة بلوغ هذا الشهر العظيم.وفي الصوم جهاد كبير وهو كما يسميه العلماء الجهاد الأكبر (جهاد النفس) .فإن للصوم فوائد صحية كثيرة تحدث عنها الأطباء كثيراً ومنهم من قارنها بأنظمة الصيام أو التجويع الطبي المختلفة والمقصود منها معالجة مختلف أنواع الحالات الصحية عند المريض فوجدوا في الصيام الإسلامي فوائد صحية تنطبق على عموم الناس وتراعي حالاتهم الصحية ومنها:
– إراحة الجسم من هضم الغذاء وإتاحة الفرصة لاستهلاك المدّخر منه وطرح السموم المتراكمة من دون مشقة أو عنت للجسم.
– التوازن القائم بين دورتي البناء والهدم بتناول وجبات الفطور والسحور والامتناع عن ذلك أثناء النهار مما يساعد على التجديد السريع للخلايا ومكوناتها وتوفير القدر اللازم منها لإنتاج جلوكوز الدم أثناء النهار وتوفير الأحماض الأمينية الحرة في بلازما الدم.
– تخلص الجسم من الدهون بطريقة طبيعية آمنة دون حدوث تشمع الكبد كما في التجويع الطبي و تنشط عمليات الكبد الحيوية فيقوم بتصنيع البروتين والمواد الدهنية الفوسفورية .
لذلك قيل: «صوموا تصحوا».
والصيام ليس فقط إمساكاً عن الطعام من الفجر إلى غروب الشمس بل هو أيضاً تعويدُ النفسِ الامتناع عن المحرمات والصيام كذلك صيام اللسان عن الكذب والغيبة والنميمة وعن شهادة الزور والسخرية والسَّب والفحش واللمز وما إلى ذلك .
والصيام كذلك صيام العين بغض البصر عن النظر إلى حرام ومنه عورات الناس فقد قال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ? ذالك أَزْكَى? لَهُمْ ? إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ .. وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ (النور: 30 ـ 31).
والصيام كذلك صيام الأذن عن كل ما يثير غضب الله وسخطه من الكفر والفحش والبذاءة وسماع والغناء الماجن .. يقول الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى? يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ? إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ? إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (النساء: 140).كما أنه فرصة كبيرة لنا لتعويد النفوس على مختلف الطاعات التي أمرنا بها الإسلام وحضنا عليها لذلك كله ورد في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به»(181).
إن في الامتناع عن الأكل والشرب فائدة عُرِفَتْ ووضّحها العلم عن فائدة الصوم لدينا نحن المسلمين ، لأننا نمتنع عن كل شيء يؤكل أو يشرب مهما كان وبعض الديانات عندهم فترات صيام أخبرنا رب العزة والجلال بذلك بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (سورة البقرة: الآية 183).البعض من غير المسلمين يصوم ضد نوع من الأكل كأن يمتنع عن أكل الحوم مثلا أو عن شيءٍ آخر ويعتبر ذلك صوما وبالطبع لا يعنينا أمرهم فالحمد لله على نعمة الإسلام .ومما عرف عن الصيام أنه يهذب النفوس ويؤدبها ويرققها ويسلك بها سبل الرحمة .
– أتسأل هنا هل شهر الخير أدبنا وهذبنا ؟
– هل امتنعنا عن قول السوء والتلفظ به ؟
نخرج لقضاء حوائجنا في نهار رمضان فنتعجب مما نسمع من بعض سائقي المركبات وهم عابسين الوجوه تخرج منهم ألفاظ غير مهذبة تتسابق ألفاظ الشتم من أفواههم كأن الصيام فقط عن الأكل والشرب وليس عن القول الفاحش وكتم الغيظ ، لم نسمع ممن اعت?ه الغضب يقول : اللهم إني صائم ويمضي ساكتا طائعا لأوامر رسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه الذي ما ترك خيرا إلا ودلنا عليه وما ترك شرا إلا ونهانا عنه وعلمنا آداب الصيام على الوجه الأكمل وقال في حديثه الشريف ( ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل: إني صائم .. إني صائم .
إخواني .. اعلموا أن الصيام تهذيب وتأديب للنفس وللسلوكيات في التعامل فيما بيننا ويجعل التسامح من أولويات أمورنا لأن البطون تساوت في الأحاسيس والمشاعر فالفقير والغني يعيشون بشعور واحد .. ولنوضح سلبياتنا وإيجابياتنا في رمضان :
– البعض ينام نهار رمضان كاملا من صلاة الفجر حتى وقت الإفطار ناسيين متناسيين الصلاة والذكر وتلاوة القران .
– البعض الآخر عنده شهر رمضان شهر العبادة كأنه لن يصومه في العام القادم فيغتنم أيامه بالصيام والقيام ، يبدو على وجهه الرضى ، يلقاك هاشاً باشا رغم معاناة الجوع والعطش ويسامح ويتسامح راجيا من الله القبول .
– سمعت أن 3 تمراتٍ ورُبع ساعة من الهدوء وشرب الماء تقي الإنسان من المضاعفات الجسدية التي تؤثر على الصحة .
إذاً فرمضان خطوةٌ أولى لتغيير النفس والسلوكيات للأحسن فما تعودنا عليه قبل رمضان يلغيه رمضان ويعمل على ترتيب الحياة بطريقة جديدة ليتنا نألفها بعد أن نودعه .
ففيه تبدو قوة الإنسان على التغيير ولنا أمثلة على ذلك ، فحينما يمتنع شارب الدخان 14 ساعه فانه بإمكانه بإرادته أو بغير إرادته أن يمتنع عنه تماماً ، فليس صعبا على الإنسان التي تملكه طاعة الدين أن يوجد في نفسه النجاح والمحفزات لتطلعات أكبر في حياته منطلقا من قوة الإرادة في عزيمته .
ان رمضان يوجد فينا القوة التي نمتلكها في أجسادنا ولا ندري عنها ولا نستغلها .. ابحث يا أخي داخل نفسك فانك قوي.. فحينما تستطيع أن تمتنع عن ملذات الدنيا طوال نهار رمضان وحينما تستطيع ان تكمل المشوار بالامتناع عما يغضب الله في حياتك فأنت قوي وقوتك كامنة فيك وها هي ظهرت في رمضان فلماذا تغيبها عنك بقية العام ؟ .
إن في ديننا قيم فكرية وصحية وأدبيه وشرائع محدودة لا ينبغي إلا اتباعها وعدم تجاوزها كي نكون سعداء.فإن أيام رمضان تجري سريعاً .. وكأنما فقط صُمنا من أمس.أحّسِنوا إلى رمضان فإنهُ زائرً خفيف الظلَ .. كثيِر الهدايا .. سريع الارتحال.. فأدعوا بِه ما شئتم .. لا تغفلوا عنه بملذات الدنيا .

• حصة بنت عبد العزيز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *