استجواب الأرشيف

درس تاريخي على الطبيعة

•• أذكر ونحن نتلقى – العلم في تلك المدرسة الشامخة بالمدينة المنورة – العلوم الشرعية – بكل فروعها أن كان لدينا معلماً من مجموعة – معلمين – في الاصل هم مربون أن عنّ له يوماً أن يأخذنا على الطبيعة لاعطائنا درساً في التاريخ بعد أن اقفل ذلك الكتاب الذي كان يقلب صفحاته باناقته المفرطة ثم وضع نظارته البيضاء على ذلك المكتب البسيط أمامه ثم اغلق صفحات الكتاب، وقال لنا في هدوء الواثق لنخرج سوياً الى الموقع التاريخي الذي هو موضوع درسنا اليوم، وهو معركة “أحد”، وبالفعل كأنه كان مرتب الأمر قبل وصوله الى المدرسة حيث وجدنا نصف اتوبيس كنا نطلق عليه أيامها “هاف” لنخرج سريعاً غير مصدقين بأننا سوف نكون في رحلة مدرسية.. ولكنها كانت – علمية – .
كنا داخل السيارة في هدوء المندهش الفرح، ولكنه هدوء الاحترام لذلك “المعلم” الذي كان يجلس في المقعد الأول من السيارة.. كان يدلنا على بعض المواقع الذي نمر بها.. فقال هذا المسجد الصغير على يسار الطريق هو – المستراح – الذي استراح فيه المسلمون بقيادة الرسول صلوات الله عليه عند ذهابه الى – أحد – وعند هذا الموقع رجع جمع من المنافقين الى المدينة.. وأخذ يوسع في معلوماتنا عن تلك الحادثة التاريخية الى أن اتينا الى بستان وارف الظلال باسق الشجرات، عندها قال لنا هنا، وبجوار البستان صرع الحمزة عم رسول الله صلوات الله عليه.. وهو ما يسمى بـ(المصرع) الآن.
بعد ذلك توقف – الهاف – بين قبر الحمزة رضي الله عنه، وبين جبل الرماة، وراح ذلك المعلم الاستاذ خليل الرحمن باسديريته الخضراء يشرح لنا تفاصيل غاية في الدقة عن مسار (المعركة)، هناك كان جيش المسلمين.. وهنا كان جيش قريش.. وهنا وضع الرسول صلوات الله عليه الرماة على هذا الجبل طالباً منهم عدم مغادرته ان كسبنا الحرب أو خسرناها أو كما قال لهم عليه الصلاة والسلام.. ولكنهم لم ينفذوا ما طلب منهم فغادروه ومن هنا اتى خالد بن الوليد مستغلاً ترك – الرماة – لمواقعهم، انسحب المسلمون الى جبل أحد بعد أن قتل “حمزة”.. وقتل عشرات المسلمين، ومن هنا هرب البعض لايذين بالسلامة وفي هذا المكان كان رسول الله، وحوله البقية الباقية من المسلمين الأشاوس يقاتلون، ومن بينهم نسيبة الانصارية التي وقفت معه وأمامه صلوات الله عليه وسلامه محاربة مجاهدة فامتدحها الرسول غاية المدح.
كانت الجولة المدرسية لمدة ساعتين تقريباً، ولكنها رسخت معالم تلك الحرب ما لم يرسخه أي كتاب نظري قد نكون تلقيناه.
ذات جمعة ماضية ذهبت الى هناك لم أشاهد – المصرع – لقد تحول الى مخطط من العمائر، وجبل الرماة قد أصابه ضمور في شكله وكثير من تلك الصور قد ضاعت، بل نكاد أن نكون قد فقدنا تلك “الدهشة” التي كانت تغمر نفوسنا عند وصولنا الى هذا المكان التاريخي العظيم في سابق الأيام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *