محليات

جُرَش.. تاريخ عريق وحضارة قرون مكتشفات ومقتنيات أثرية وإنشاء مركز للزوار

أبها- واس
” جُرَش الأثرية ” بقايا حضارات متعاقبة جنوب الجزيرة العربية سادت لقرون، وبقيت شواهدها دليل على فتراتها وتحولاتها المتلاحقة ، وما قام به إنسانها آنذاك من تطويع لمعطيات مكانها، لتبرز “جُرش حاضرة المخلاف” كمدينة حضارية وزراعية وصناعية ذات حرفية تميزت بالحصانة والقوة.
فمنذ آلاف السنين ما قبل الإسلام وبعده ، وإلى نهاية القرن السابع من الهجرة كانت ” جُرش” ذات مكانة وموقع هام كنقطة التقاء ، ومحطة وقوف على طريق الحج القادم من اليمن، والمسمى بدرب البخور، فيما أظهرت دلائل على الاستيطان خلال الفترة العباسية في شمال ووسط موقعها، ودلائل أخرى على الاستيطان جنوب موقعها، تعود إلى الفترة الإسلامية الوسيطة والمتأخرة.
وها هي ” جُرَش” تتوسط الآن بأطلالها ومكانتها التاريخية محافظة أحد رفيدة شرقيّ أبها ( 30 كيلومتر ) ويقف جبلاها الحارسان لها، المعروفان بجبل “حمومة ” الواقع في جهتها الشرقية، وجبل ” شَكَر” الواقع غربها الذي أطلق عليه هذا الاسم خاتم الأنبياء، سيدنا محمد، صلَى الله عليه وسلم، بديلاً عن اسم ” كَشر ” وذلك بعد أن اعتنق أهلها الإسلام .
وأشار أستاذ التاريخ بجامعة الملك خالد الدكتور غيثان بن علي بن جريس، عبر كتابه ” القول المكتوب في تاريخ الجنوب ” بقوله : ” إذا طالعنا أمهات المصادر التاريخية والتراثية فإن إسم أحد رفيدة وما حولها عرف بـ ” مخلاف جُرَش ” وهي ذات تاريخ حضاري قديم ، ومازالت آثار مدينة جرش ماثلة للعيان في مدينة أحد رفيدة، حتى اليوم، ” وأضاف : ” تشير كتب النسب وغيرها من مصادر التاريخ القديمة إلى أن بلاد رفيدة كانت مستوطنة ببعض القبائل الحميرية والخثعمية، وغيرها منذ عصر ما قبل الإسلام، ومنذ القرن الثاني إلى السادس الهجري، تبرز قبيلة عنز بن وائل العدنانية لتكون صاحبة الهيمنة على جزء كبير من مخلاف جرش، وفي القرن السابع الهجري ( الثالث عشر الميلادي ) لا تذكر المصادر دوراً لهذه القبيلة في جرش، بل إن مصطلح جرش نفسه اختفى في مصادر التاريخ الرئيسة منذ القرن الثامن الهجري ( الرابع عشر الميلادي ).
وعن الجوائب الحضارية في جرش ومخلافها، أورد أستاذ التاريخ بجامعة الملك خالد، الدكتور غيثان بن جريس في مؤلفاته، التي تناولت ” مخلاف جُرَش ” بأنه من الطبيعي أن تحظى جرش ومخلافها بنشاطات مهنية متعددة؛ كالرعي والزراعة، والصناعات، والحرف اليدوية، والتجارية، والازدهار العمراني ، ويعود ذلك إلى خصوبة تربتها وحسن موقعها، وقال: إن أقرب دليل على بروز هذه المهن في حياتهم ما ذكره الرسول، صلى الله عليه وسلم، في كتابه الموجه إليهم ، والذي حمى لهم حماهم الذي أسلموا عليه ، والحمى لا يوجد إلا إذا وجدت المواشي والبهائم التي ترعى فيه. وأضاف تأكيد بعض الجغرافيين على كثرة الأدم ودباغة الجلود في مخلاف جرش، وهذا دليل على كثرة المواشي والبهائم في ربوعها.
الجدير بالذكر، أن تقرير المسح الأثري الذي تم على المواقع الأثرية في المنطقة الجنوبية الغربية في المملكة، الموثق عام 1400 هـ ، واستخدم من خلاله (كربون -14) في تحليل مكونات موجودات المكان، يؤيد الرأي القائل بأن الموقع شهد فترة استيطانية أولى خلال الحقبة الزمنية القديمة ، ثم فترة ثانية في بداية العصر الإسلامي، حسب ما وثقه المؤرخ محمد بن معبرّ ” في كتابه ( قصة البحث عن جرش )، حيث أظهر تحليل طبقات التربة، أن الطبقة السفلية بالموقع تعود إلى القرن الأول بعد الميلاد، وأن الطبقة الخامسة ترجع لعام 280 ميلادية ، بينما تعود الطبقات العلوية إلى فترات لاحقة، وترجع الطبقة الرابعة لعام 510 ميلادية ، والثالثة للعصر الإسلامي ، والثانية والأولى لعام 1030 ميلادية.
وعلى ضوء تلك المكانة التاريخية لجُرَش، وما تم العثور عليه من مكتشفات ومقتنيات أثرية قامت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، بإنشاء مشروع “مركز الزوار” وتسوير موقع جُرش الأثري، إلى جانب تطوير الواجهة الشمالية؛ لتكون مدخلاً مباشراً للموقع، بالشراكة مع أمانة المنطقة، ممثلةً في بلدية محافظة أحد رفيدة، ويجري العمل على افتتاح مركز الزوار في الوقت القريب، على مساحة تتجاوز ٦٠٠ متر مربع ، فيما يحتوي المركز على قاعة رئيسة، سيتم فيها عرض المكتشفات الأثرية والصور والخرائط والرسومات والأفلام المرئية والمعلومات الدقيقة عن حضارة جُرَش وتاريخها، إضافة إلى قاعة لكبار الزوار، وأجزاء مخصصة للموظفين ومرافق عامة لخدمة الزوار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *