اقتصاد

بعد الأمر الملكي التاريخي .. قيادة المرأة للسيارة.. قراءة واقعية ومنافع اقتصادية

جدة ــ البلاد

مثل قرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بالسماح للسعوديات بقيادة السيارة انتصاراً جديداً للمرأة السعودية، اذ بفضل رعايته الكريمة تمكنت المرأة من اقتحام الكثير من المجالات، سيما التي كانت في اصلها حكرا للرجال دون النساء، بل وأثبتت المرأة قدرة كبيرة في مختلف المجالات سواء التعليمية أو الاقتصادية او الإعلامية، غير ان ذلك لم يمنع الكثيرين من توجيه سهام النقد المستمرة للمرأة على اعتبار أنها كائن ضعيف بل وهَش (من وجهة نظرهم)، وأنها لا تصلح لأية مسؤولية كالرجال.

ومع سيطرة هذه النظرة الاستعلائية التي ترى أفضلية للمجتمع الذكوري، برزت أصوات مغايرة أثبتت أن المرأة قد تفوق الرجل فلا فضل لأحدهما على الآخر إلا بفضل جده واجتهاده.

اسهام :
ثمة ادوار اقتصادية واجتماعية في اطار الاصلاحيات التي تقودها حكومة خادم الحرمين الشرفين، بتمكينها من الاسهام في دفع عجلة الاقتصاد الوطني، وما من دليل امضي على ذلك من التوجيه الاخير لخادم الحرمين بالسماح للنساء قيادة السيارة، وهو قرار له انعكاسات اقتصادية واجتماعية كبيرة ستبدأ بالظهور تدريجيا مع تطبيق المتوقع في يونيو المقبل.

اذ تقوم رؤية المملكة العربية السعودية 2030 على تفعيل مشاركة المرأة في سوق العمل لما له من تأثير على التنمية الاقتصادية، حيث تمثل السيدات 49.6 بالمائة من المتخرجين الجامعيين في السعودية، غير أنهن يشكلن 16 بالمائة فقط من اليد العاملة في السعودية.

ووفقاً لدراسة صادرة عن أوكسفورد بزنس غروب، فإن رفع نسبة مشاركة السيدات في سوق العمل إلى 40 بالمائة سيزيد إجمالي الناتج المحلي بحوالي 17 مليار دولار سنوياً، فيما قد تزيد العوائد للشركات السعودية بـ 58 مليار دولار.

انعكاسات اقتصادية :
ليلة تاريخية كبيرة عاشتها الأسرة بعد صدور الأمر ، هذا القرار الذي سيكون له انعاكاسات إيجابية على مستوى الأمن الاجتماعي للعوائل في المملكة، إضافة إلى أثره الاقتصادي على الأسر التي تنفق ما يزيد عن 25 مليار ريال رواتب سنوية للسائقين الأجانب.وقال رئيس مركز جواثا الاستشاري، إحسان بوحليقة، إن القرار بالسماح للمرأة بالقيادة سيحدث حراكا اجتماعيا واقتصاديا قويا، كون المرأة تمثل نصف المجتمع ولم تكن تستطيع التحرك بمرونة، خصوصاً مع غياب منظومة النقل العام في السعودية.

وأضاف بوحليقة “أصبح هناك انفراج لوجود برمجيات وتطبيقات لتوجيه المركبات “أوبر” و”كريم”، وهو ما ساعد بشكل كبير. وزاد من أهمية هذا القرار وجود معطيات معينة، أهمها أن ثلث السعوديين الذين يعملون في السعودية من المواطنين هم نساء، وهي قوة مساهمة كبيرة تحتاج إلى آلية ومرونة لمساعدتها في أداء عملها.

ففي السابق كانت وسائل توظيف المرأة أقل، والزيادة نتجت عن إصرار الحكومة على تأنيث عدد من الأنشطة وتمكين المرأة من أخذ وظائف عمل في عدد من الجهات الحكومية والخاصة. الأمر الآخر أن أكثر من نصف الباحثين عن العمل هم نساء بين عمر 27 و45 عاما، والتحرك في نطاق جغرافي مهم جداً”. وأضاف بوحليقة “الرؤية وجهت برفع مشاركة المرأة إلى 30%، وهو ما سيساهم بتحقيق الهدف بحلول العام 2030.

وقال تداعيات ذلك على قطاع النقل سيكون على المدى المتوسط وليس آنياً، لأن هناك العديد من الأنماط الاجتماعية التي تحتاج إلى عقود، لذلك سيكون التأثير تدريجياً، لكن سيفتح العديد من فرص العمل لدى المرأة، والخيارات والآفاق الجديدة”.

وأضاف بوحليقة “منح حق المرأة بالقيادة هو قرار اقتصادي محض يمكنها من عمل الكثير، وديناميكية القرار سيكون لها تبعات إيجابية والاستفادة من مورد بشري مهم جداً”.

فوائد:
ويمهد الامر السامي الكريم لانخفاض تدريجي في اعداد السائقين الاجانب في المملكة مع بدء تطبيق الأمر السامي بداية من 10 شوال المقبل الموافق 24 يونيو 2018، وهو ما يخفض نفقات الاسر السعودية ويحد من سلبيات استقدام السائقين الاجانب وعدم تمكن عدد كبير منهم من القيادة وتعلمهم داخل المملكة اضافة الى بعض السلوكيات التي ينفرها المجتمع السعودي التي تصدر عن البعض منهم.

وتشير بيانات النشرة الربع سنوية لسوق العمل الصادرة عن الهيئة العامة للاحصاء أن إجمالي عدد العمالة المنزلية غير السعودية بلغ بنهاية الربع الاول من العام الجاري نحو 2.33 مليون عامل وعاملة يستحوذ السائقون على نحو 1.38 مليون سائق بنسبة تقدر بنحو 60% من العمالة المنزلية المستقدمة من الخارج.

ووفقا للبيانات فإن عدد العمالة المنزلية من الذكور بلغ بنهاية الربع الاول من العام الجاري نحو 1.58 مليون عامل منهم 1.38 مليون سائق بنسبة 87%. وتشكل العمالة المنزلية المستقدمة (2.33 مليون) نحو 21.5% من اجمالي العمالة الاجنبية العاملة في السعودية (10.85 مليون عامل) أي أن السائقين يشكلون 12.7% من العمالة الاجنبية في المملكة.

وعلى صعيد المتوسط الشهري للاجور يشير مسح القوى العاملة للهيئة العامة للاحصاء إلى أن متوسط الاجر الشهري للعمالة المنزلية الذكور نحو 1985 ريال شهريا، أي أن اجمالي ما تدفعه الاسرة السعودية من اجور ورواتب للسائقين شهريا يقدر بنحو 2.73 مليار ريال أي نحو 33 مليار ريال سنويا.

واضافة إلى التكلفة المالية التي تدفعها الاسر السعودية من استقدام سائقين، ترتفع التكلفة الاجتماعية التي يتحملها المجتمع السعودي فوفقا لاخر احصاءات ادارة المرور بلغ عدد الحوادث المرورية في المملكة خلال العام 1437هـ عدد 533.4 الف حادثة تقدر احصاءات سابقة لادارة المرور أن نحو 45% من تلك الحوادث ناتجة عن طرف اجنبي.

فوائد :
ونرصد هنا عشر فوائد تتحقق جراء قيادة المرأة للسيارة سواءً على مستواها الشخصي أو أسرتها وصولا إلى المجتمع الكبير الذي تعيش فيه.

1- تغيير النظرة السائدة عن المجتمع السعودي على أنه مجتمع ذكوري عنصري، وذلك بتحقيق الاستقلالية باعتبارها نوعاً من أنواع تحرير المرأة السعودية، دون التنافي مع الالتزام الشرعي والأخلاقي.

2- السماح للمرأة بالقيادة يؤدي إلى الاستغناء عن نحو 500 ألف سائق وافد، بحسب تصريحات مسؤولين بالمملكة، ومعلوم ما لذلك من مردود إيجابي اجتماعيا واقتصاديا.

3- توفر قيادة المرأة للسيارة العناء على الرجل الموظف من الاستئذان اليومي لتوصيل أولاده وزوجته من وإلى المدرسة أو مقر عملها, إضافة إلى تفرغه لإنهاء واجباته الوظيفية.

4- التسهيل على المرأة السعودية في التنقل لأي مكان داخل حدود البلد بوسائل النقل المتاحة، وذلك للتسهيل عليها وتوفير الوقت لقضاء حاجاتها وحاجات أبنائها عند غياب زوجها أو معيلها.

5- قيادة المرأة تقلل الحوادث، وهذا عكس الشائع، وقد أشارت إحصاءات مرورية عربية إلى أن قيادة المرأة للسيارة أكثر انضباطاً والتزاماً بقواعد السير وتعليمات المرور خلافاً لبعض الرجال الذين يتسمون بالتهور.

6- تحقيق الالتزام بقواعد المرور، وربما يرجع ذلك إلى طبيعة المرأة المحافظة وحرصها الدائم على الالتزام بالقواعد والقوانين وعدم مخالفتها.

7- تحقيق تطلع المرأة السعودية إلى أن يتم التعامل معها مثل سائر نساء العالم العربي بقدر كامل من المسؤولية والاحترام.

8- احترام خصوصية المرأة السعودية ورفضها الخروج مع سائق أجنبي، حيث تضطر المرأة إلى الخروج لوحدها مع السائق في وقت يكون فيه زوجها في عمله وأبناؤها في المدرسة.

9- الحد من جرائم الاختطاف والتحرش، وكثيرة هي القصص التي قرأناها أو سمعناها والتي تدور حول جرائم اختطاف أو تحرش جنسي أو قتل، كان سببها اضطرار المرأة العاملة أو الطالبة للتنقل بين المنزل والعمل والدراسة مع غرباء أو ضعاف النفوس.

10- مشاركة أوسع في سوق العمل، وقد اعتبرت دراسة صادرة عن مركز السيدة خديجة بنت خويلد حول مشاركة المرأة السعودية في التنمية الوطنية لعام 2012 -2013، أن قيادة المرأة للسيارة كأحد المعوقات التي تواجه المرأة العاملة.

وفي الدراسة قالت 50 بالمائة من الإناث، إن عدم السماح للنساء بقيادة السيارة يعيقهن من أداء أعمالهن ومن ثم يقلل من فرصة إسهامهن في التنمية الوطنية.

انتعاش سوق السيارات:
ولن يقتصر تأثير على جانب اقتصادي واحد بل سيمتد للاقتصاد بأكمله، اذ سيشهد قطاع النقل تحولاً كاملاً من حيث نوع السيارات التي سيتم بيعها وطريقة القيادة.

ومن أول الآثار توقعات بمضاعفة مبيعات السيارات التي بلغ عددها 676 ألف سيارة.

اذ من المتوقع أن تشهد السيارات ارتفاعا في مبيعاتها من الفئات الأصغر حجما التي قد تشتريها المرأة بدلاً من اللجوء إلى السيارات العائلية الكبيرة.

وتتباين تبعات قرار السماح بقيادة المرأة في السعودية على الشركات التي توفر خدمات النقل مثل أوبر وكريم، فمن جهة قد ينخفض عدد الركاب، كون 80% منهم نساء، ولكن من جهة أخرى ستزيد فرص العمل للسيدات، فمثلا “كريم” أبدت استعدادها لتوظيف النساء.

كما سيخفف القرار العبء عن كاهل الأسر السعودية، حيث قد يستغني العديد منهم على السائقين الذين يقارب عددهم 1.4 مليون سائق بإجمالي رواتب تصل إلى 25 مليار ريال سنويا للسائقين الأجانب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *