دولية

الاقتصاد الأسود .. مصدر تمويل الشر الإيراني

جدة ـ البلاد
“طهران ستواصل برنامجها للصواريخ الباليستية”، بهذه الكلمات خرج رئيس إيران حسن روحاني في مايو 2017، يتحدى العالم ويواصل تهديد الأمن الإقليمي والعالمي، ليطرح التساؤل المهم: “كيف تمول إيران برنامجها الصاروخي رغم العقوبات الدولية؟ وهل استفادت من الاتفاق النووي في هذا الشأن؟”.
الإجابة هنا تكمن في “الاقتصاد الأسود”، وهو مصطلح يطلق باختصار على الأنشطة الاقتصادية والتجارية غير القانونية، وتضم أيضاً الأعمال غير الشرعية، مثل تجارة المخدرات وغسل الأموال وتجارة السلاح غير الشرعية.
واعتادت إيران منذ زمن طويل على ألا تنفق على مشاريعها الاحتلالية من ميزانيتها الخاصة فقط، ولكن تمولها من المتاجرة في جميع أنواع الجرائم على مستوى العالم، إضافة إلى السطو على ميزانيات الدول المستهدفة، خاصة تلك التي تصل فيها المليشيات الموالية لها إلى مراكز في الحكم.
من هنا كانت أمريكا اللاتينية بوابة إيران وأذرعها الإرهابية لدعم وتمويل أنشطتها غير المشروعة، والتي يرى مراقبون أنها كانت مصدراً أساسياً لتمويل البرنامج الصاروخي خلال فترة الحصار.
البداية مع وزارة الخزانة الأمريكية التي كشفت عن عنصر تابع لأحد أذرع إيران الإرهابية “حزب الله” يدعى أيمن جمعة، إلى جانب 9 أفراد إضافيين و19 شركة من شركات أعمال متورطة في أكبر تخطيط لتهريب المخدرات في دول أمريكا اللاتينية طوال تاريخها، وذلك في يناير 2011.
أيمن جمعة، بحسب تحقيقات إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية، متورط في عمليات غسيل أموال بمقدار 200 مليون دولار شهرياً من بيع الكوكايين في أوروبا والشرق الأوسط عبر عمليات جرت في لبنان وبنما وكولومبيا.
ثم ان شبكة غسل الأموال التي كان يتزعمها جمعة لحساب إيران، كانت تتم عبر حسابات في “البنك اللبناني الكندي”، وهو ما أشارت إليه تقارير أمريكية سابقة.
فقد ركزت وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها عن الإرهاب عام 2015، على شبكات الدعم المالي التي تحتفظ بها إيران عبر حزب الله في أمريكا اللاتينية.
بدوره فرض الكونجرس الأمريكي عقوبات في ديسمبر 2015، على المصارف التي تتعامل مع حزب الله، ضمن شبكة مصارف وبنوك أخرى وشركات تتعاون مع إيران، لها أنشطة في مجال تهريب المخدرات بأمريكا اللاتينية.
بينما تمكنت الاستخبارات المكسيكية والكندية في فبراير 2016، من الكشف عن تحركات أفراد تابعين لإيران في أمريكا وبعض دول أمريكا اللاتينية؛ خططوا لعمليات تهريب وتفجيرات إرهابية، 3 منهم يحملون الجنسية الأمريكية.
والمفارقة أن طارق العسيمي، وزير الداخلية الفنزويلي ذا الأصول السورية، أسهم بشكل كبير في خلق شبكات لغسل الأموال لجماعات تابعة لإيران وحزب الله، بحسب الاستخبارات الأمريكية، وهو ما عزز من أواصر العلاقة التجارية وتبادل عمليات غسل الأموال وتجارة المخدرات في تلك الدول.
وقال الزميل المشارك في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، إيمانويل أوتولانجي، للمشرعين في مجلس النواب بجلسة استماع في يونيو 2016 أمام الكونجرس، إن حزب الله له جذور قوية في البرازيل، وإن 7 ملايين شخص من أصول لبنانية يعيشون في البرازيل وولاءهم لحزب الله، وذلك بحسب صحيفة “واشنطن تايمز”.
ففي تحقيق أجراه فريق أمني أمريكي سري باسم “كاسندرا” على مدى 8 أعوام، وكشفت عنه صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية هذا الأسبوع، جاء أن مليشيا حزب الله تحولت من مجرد مليشيا سياسية إرهابية إلى منظمة إجرامية تتجار في المخدرات وغسيل الأموال والسلاح.
وتتبع المحققون في هذا الفريق شحنات الكوكايين التابعة لحزب الله التي يأتي بعضها من أمريكا اللاتينية إلى غرب أفريقيا ثم إلى أوروبا والشرق الأوسط، بينما شحنات أخرى تأتي عبر فنزويلا والمكسيك إلى الولايات المتحدة.
وفي إبريل 2017، ألقت السلطات الإيطالية القبض على شبكة لتهريب المخدرات داخل دول الاتحاد الأوروبي، مكونة من 9 عراقيين ينتمون لمليشيا الحشد الشعبي، ويقودها غلام رضا باغباني الضابط التابع لمليشيا الحرس الثوري الإيراني.
وفي العراق ذاته، صدر في يوليو 2017 تحذير من منظمة “السلام” العراقية لحقوق الإنسان عن تزايد نشاط تجارة المخدرات المرتبطة بمليشيا الحشد الشعبي.
وقال رئيس المنظمة محمد علي، إن معدل التعاطي والاتجار وصل إلى معدلات غير مسبوقة في تاريخ العراق؛ بسبب نشاط شبكات تديرها مليشيا الحشد الشعبي التي تجلب المخدرات من إيران.
وفي إشارة إلى الاستهداف الإيراني لدول عربية بالمخدرات، ضبطت الهند في أغسطس 2017 سفينة محملة بشحنة هيروين إيرانية، كانت في طريقها إلى مصر.
وفي ديسمبر 2016 ضبطت البحرية المصرية في البحر الأحمر كمية كبيرة من المخدرات على متن مركب إيراني قبل تهريبها إلى داخل البلاد.
وفي كتاب أصدره الدكتور “ماثيو ليفيت” العام الماضي باسم “فيما يتجاوز التقارب: عالم بلا نظام”، قال إنه “لم يعد من الممكن اعتبار حزب الله أداة إيرانية ومنظمة إرهابية فحسب، بل أصبح يشكل حالياً شبكة معقدة للإجرام وغسل الأموال”.
و”ليفيت”، مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، يرصد في كتابه العمليات الإجرامية التي شارك فيها “حزب الله” في القارات الخمس.
ففي عام 2009، كشفت “مصلحة تنفيذ قوانين الهجرة والجمارك” الأمريكية عن سلسلة من المخططات الإجرامية لحزب الله بأمريكا، منها أجهزة الكمبيوتر المحمولة المسروقة، وجوازات السفر، وأجهزة الألعاب، وبيع العملة المسروقة والمزورة، وشراء الأسلحة، وغيرها.
وتلجأ مليشيات إيران إلى عدد من البنوك المرتبطة بها كغطاء لتمرير الأموال عن طريقها، من أشهرها بحسب ما ورد في التحقيقات البنك اللبناني الكندي.
وفي الشهر الجاري أصدر القضاء العراقي تحذيرا من تزايد عمليات تزييف العملة والاحتيال المالي في البلاد.
وكانت الأجهزة الأمنية بإقليم كردستان العراق ألقت، العام الجاري، القبض على ثلاث شبكات لترويج العملات المزيفة، مشيرة إلى أن بلدة سوران القريبة من الحدود العراقية الإيرانية كانت منطلقاً لعمليات ترويج العملة المزيفة، في إشارة إلى أن مصدر تلك العملات هي إيران.
ويذكر تقرير مخابراتي سري بتاريخ 2013 صدر عن مجموعة من دول أمريكا اللاتينية، وحصلت عليه “سي إن إن”، أنه بين عامي 2008 و2012، تم إصدار 173 جواز سفر وبطاقات هوية فنزويلية إلى عرب.
وكان المسؤول الذي طلب إصدار تلك الوثائق الرسمية هو طارق العيسمي، نائب رئيس فنزويلا، وهو مهاجر سوري، وكان الوزير السابق المسؤول عن الهجرة.
وتستغل هذه المليشيات تشوق الكثيرين في أماكن الصراعات مثل سوريا والعراق وغيرها إلى شراء جواز السفر والتأشيرات من هذا النوع، وبيعه بمبالغ طائلة قد تصل إلى 10 آلاف دولار للفرد.
وأزاحت فضيحة الفدية التي دفعتها قطر لمليشيا الحشد الشعبي في العراق النقاب عما يمكن أن يوصف بـ”تجارة الفدية”، التي تستخدم لتمويل أنشطة مليشيات إيرانية.
فقد دفعت قطر نصف مليار دولار في أبريل الماضي لجهات عراقية تحت ستارة أنها فدية لإطلاق سراح الـ 24 قطريا الذين خطفتهم مليشيا تحمل اسم حزب الله العراقي ضمن فصائل مليشيا الحشد الشعبي.
الاستثمار العقاري والأراضي بوابة أخرى لتمويل أنشطة مليشيات إيران، ولكنها لا تهدف من ورائها لمجرد جني الأموال، بل وضع يدها على مناطق سكانية بعينها في مدن بعينها في الدول المستهدفة في الشرق الأوسط.
وكلما تمكنت من شراء كم مناسب من العقارات والأرض تسلمه أو تبيعه إلى سكان موالين للفكر الإيراني لإحداث تغيير في تركيبة السكان في سوريا والعراق ولبنان واليمن ودول أخرى.
وعلى سبيل المثال، نشر موقع “أورينت” المحسوب على المعارضة السورية، أن مليشيا حزب الله أنشأت شركة بناء واستثمار عقاري بتمويل إيراني لشراء العقارات في منطقة القصير في ريف حمص السورية.
وذكر القسم الفارسي لإذاعة “صوت أمريكا” أن إيران تشجع بقوة المستثمرين على شراء العقارات في سوريا، وخاصة في العاصمة دمشق وحمص، مستغلة سهولة بيع الكثير من المهاجرين واللاجئين لأملاكهم، وتقدم إغراءات مالية هائلة.
وفي اليمن، ظهرت حمى شراء المليشيات الحوثية للعقارات والأراضي في مدن كالحديدة، وتعز، وإب، وذمار، وصنعاء.
ومن غير المستبعد تنفيذ الفكرة نفسها في دول عربية أخرى ممنوع وجود نشاط إيراني مباشر بها، ولكن تحت غطاء استثمار عملاء لإيران يحملون جنسيات أخرى، كمستثمر عراقي أو لبناني أو سوري أو يمني أو من جنسيات أوروبية وأمريكية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *