وأخيراً تحقق الهدف بصدور قرار مجلس الامن في جلسته الاخيرة التي انعقدت مساء يوم 20/ 6/ 1436هـ بتبني المشروع الخليجي في الازمة اليمنية حيث صدرت موافقة (14) عضواً على تبني الرؤية الخليجية، يمكن القول بأن الدبلوماسية الحكيمة قد ادت مهمتها على احسن ما تكون، فقد برهنت للعالم ان المسلمين ومعهم جميع الدول المحبة للانسانية مازالوا راغبين وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية حاضنة الحرمين الشريفين في حماية الانسانية البشرية من حملات الابادة التي ترتكبها مجموعات الحوثيين ونظام الرئيس المخلوع.
لذلك ارى ان الامانة الاخلاقية للمحلل السياسي تفرض عليه ان يكون صادقاً في تحليله عن الحقيقة بعيداً عن المهاترات الاعلامية وخدمة اغراض خاصة تستهدف البلبلة وطمس الحقائق.
لذلك فإن الالتزام بهذا الاسلوب المهم يحتاج الى فطنة ورغبة حقيقية مجرد عن الهوى لخدمة الصالح الخليجي – العربي والاسلامي ثم الدولي والتي يمكن ادراكها بالعقل والمنطق، وما يتفق مع القيم الصحيحة التي تحكم العلاقات الانسانية.
بهذا الاسلوب استطاعات الدبلوماسية في اتباعها اسلوب فن ادارة الازمات للفت انظار اعضاء مجلس الامن الى اهمية العمل مع المجتمع الدولي من اجل حمل المتمردين الحوثيين ومن يقف معهم ويساندهم بوقف عمليات الفوضى الاجرامية ضد الانسانية وضد الشعب اليمني بل وادانة ارتكابه تلك الجرائم والمطالبة بحماية حقوق الانسان اليمني، حيث لم يحدث في تاريخ المذابح بل العدوان الذي ترتكبه مجموعة الحوثي وعصابات الرئيس المخلوع والذي اسقطت عنه الاقنعة، واظهرت جماعات الحوثي على حقيقتها ومعها اعوان صالح في صورة مثالية بضرب المساجد والمدارس والمستشفيات والقرى والمنازل وارغام السكان الى الهجرة وترك ارضهم وكلها تهديد للشرعية واركانها.
فمن فوز المشروع الخليجي في المجلس الاممي، فان مجلس التعاون الخليجي سيربط الفوز في مجلس الامن بادانة الحوثيين والرئيس المخلوع بكل مدلولاته الى الواجهة العالمية، اقول بصراحة ووضوح لمن لا يفهم انها دبلوماسية فن ادارة الازمات وان تعاون اعضائه في مراقبة تنفيذ بنود القرار الاممي القوي في دلالته وتوقيته ولا يقدر على تنظيمه الا الكبار.
هل استطاعات الدبلوماسية السعودية ان ترقى وان تقود مجلس التعاون الى آفاق العصر في لغته وايقاعه، ام انها ظلت اسيرة الممارسات الدبلوماسية التقليدية؟ وهل ستؤدي الثورة الاتصالية العظمى التي تقودها المملكة والتي تدفقت موجاتها في عالم كوني اخذ يبسط ظلاله على مجالات التعاون الدولي الانساني بمجالاته السياسية والاقتصادية والثقافية الى تطور الأداء الدبلوماسي.
لست بحاجة الى القول بأن التحركات والاتصالات والمشاورات التي اجرتها المملكة في الساحتين الخليجية – العربية ثم الدولية على مدى الاسابيع الاخيرة انما اكدت مكانة المملكة الخليجية والعربية – الاسلامية وصولا الى الدولية في الدفاع عن دورها كقوة اقليمية لها وزنها في ضبط ايقاع الحركة السياسية في منطقة الخليج العربي حرصاً على سيادتها واستقلالها وانها فعلا مملكة الانسانية.
إن تجربة الدبلوماسية السعودية الاخيرة في مجلس الامن تؤكد ان السياسة هي فن الممكن، وان المملكة بقيادة الملك سلمان سلكت هذا الطريق فرأت ان الاصل في الادارة الناجحة للازمات هو منع انفجار الموقف وتفادي التفكك بأي شكل.. وربما يكون الوقوف على حافة الهاوية ولكن عدم السقوط فيها.
والحقيقة اننا امام اعتراف دولي من قبل مجلس الامن الدولي بدبلوماسية المملكة الوقائية لدرء المخاطر والازمات التي عكستها الازمة اليمنية والخروج عن الشرعية وبالتالي تهديد الامن القومي الخليجي – العربي وصولا الى الدولي من قبل قيادة الملك سلمان لا يمكن ان توصف الا بانها اختلالا لدرجة مرتفعة لاثارة الازمات.
وفي اعتقادي ان اهم هذه الدروس المستفادة من هذا الاعتراف الدولي بصدور القرار الاممي حول الازمة اليمنية هو الاعتراف بدور المملكة الاقليمي والانساني التي نظرت الى ادارة الازمة اليمنية بانها علم وفن، علم بانها مزيج له اصوله وقواعده التي تبلورت في مراحل مناقشات الازمة في الامم المتحدة، واكدت انها فن تعتمد على اتقان المهارات والقدرات في المناقشات الدبلوماسية.
هكذا اضحت ادارة الازمات اسلوباً متميزاً مارسته المملكة في مناقشات الازمة في اروقة مجلس الامن اكدت باستراتيجية محددة تقوم على مجموعة من الاصول والمبادئ والمهام، كما انها اكدت جهود المملكة في اسلوبها الدبلوماسي فناً رفيعاً مارسته القيادة السعودية باسلوب رفيع بمزيد من المهارة والبراعة. من الاهمية بمكان ونحن نشيد بالاداء السعودي في ادارة الازمة اليمنية تأكيد ان هناك فارقاً من ان تأخذ ما تريد بيدك وبين ان يعطيك اياه شخص آخر، بين دفع هجوم وبين جعل شخص آخر يخاف من مهاجمتك بين ان يفقد شخص ما بحوزته، تحت ضغط القوة وبين ان يتخلى عنه ليتفادى مخاطر التدمير. بمعنى آخر وأكثر دقة بين الدفاع والردع، بين القوة لنصرة الانسانية وبين بث الرعب، بين الارهاب والتدمير، بين اللجوء الانفرادي غير القانوني الى استخدام العنف واشاعة عدم الاستقرار وايذاء الانسانية. وفي ضوء ذلك نجد صدور قرار مجلس الامن بالاغلبية بشأن الموافقة على القرار الخليجي بشأن الازمة اليمنية يؤكد تجلي فن ادارة الازمات الذي اتبعته والذي مارسته المملكة مما زاد من فعالية النشاط التعاوني الخليجي على التكيف مع المتغيرات الدولية والاقليمية.
لذلك اقول.. واخيرا تحقق الهدف لهذه الدبلوماسية السعودية الناجحة. فعندما ندقق في خطوات الاسلوب السعودي في مناقشات الازمة اليمنية يشعر المرء هو بالفعل فن ادارة الازمات وفن عدم الاعتراف بالمستحيل مما ادى الى الاعتراف الدولي من مجلس الامن الدولي بالاسلوب السعودي بأدائها المتميز لحرصها على ان نكون عنصراً للتهدئة وليست مساعداً على التوتر.
وخلاصة القول فان التحرك السعودي الهادئ والمحسوب في ادارة الازمة اليمنية هو ابرز دليل على انها ادارة من طراز فريد تدرك اهمية التعاون الخليجي والعربي والاسلامي والدولي. والمهم مع صدور القرار الاممي ان القرآن الكريم اهتم ونبه الى ان “تاريخ البشرية قد بدأ بالنفس الواحدة، ثم العائلة الواحدة، ثم بالشعوب والاقوام لتنتهي بـ(العالمية)”: (يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الذي تساءلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيباً) “النساء” (يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير) “الحجرات”.
وأخيراً فان جهود المملكة عبر دبلوماسيتها المتصلة حتى هذه اللحظة وما بعدها لاحتواء الازمة اليمنية وتجنب تفكك النظام السياسي اليمني هو الدليل الحي على ايمانها السليم لما نادى وأمر به رب العالمين في كتابه الكريم للبشرية الانسانية قاطبة وضرورة الادراك السليم لمتطلبات التوجيه الالهي للحفاظ على السلام الكامل والتام لحياة البشر.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *