بيشة وسوق نمران والصايرة
كنت قبل ثلاثة ايام في زيارة قصيرة إلى بيشة الفيحاء وذلك لمواساة إخوتي ابناء الشيخ فرحه بن عثمان آل عثمان في وفاة والدهم الشيخ / فرحه آل عثمان الذي وفاه الأجل المحتوم مساء الأحد الماضي .
بعد مسيرة كانت حافلة بالعطاء إذ كان رحمه من ذوي البصمات الإيجابية في خدمة مجتمعه حيث كان من اوائل من عمل في مجال استجلاب المعدات الزراعية الحديثة إلى بيشة ، وكذلك تأمين جميع لوازم المزارعين بشكل عام ، وذلك قبل افتتاح البنك الزراعي بعقود ، وكان من أعلام بيشة المشهود لهم بالسيرة العطرة والاخلاق الفاضلة وحبه للخير نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا .
رحمه الله رحمة الأبرار واسكنه فسيح الجنان والهم آله الصبر والسلوان ، والحقيقة كان وقتي قصيرا جدا بمعيار الساعات التي تمر في بيشة مرور الدقائق ، بحكم مكانة بيشة في قلبي ، ثم إحساسي بأن كل من على ثراها من البشر تربطني بهم وشائج قربى التآخي الصادق بأن كل منا يرى بيشه (امه الثانية) فإذا كانت الأم حلوة اللبن فبيشة حلوة الماء ، وهذه حقيقة تجسدها تلك القلوب النقية حينما يشرفني الله باللقاء بهم بين كل فترة وأخرى ،
والحمدلله أنني في تلك الساعات المحدودة تشرفت بتجديد العهد بكثير من قدوتي من لازال حيا من آبائي الأجلاء وأحبتي اترابي الأعزاء ثم الابناء الأوفياء الذين ارى فيهم حراك وطيبة آبائهم هنالك ، بحكم ان الغالبية شاركت في مواساة آل العثمان في مصابهم الجلل ،
والذي يضرب أهل بيشة في تلك المواقف اروع صور التلاحم والتعاضد الصادق النقي ، وقد ختمت مساء ذلك اليوم وقبل مغادرتي إلى مطار بيشة بمعايشة الموقف النبيل من كل من سعادة محافظ بيشة الأستاذ / محمد بن سبره وسعادة محافظ تثليت الاستاذ / سعيد بن رميح ،
اللذان بلورا صورة جميلة ايضا عن تنمية أواصر الترابط المجتمعي الصادق ، بتأدية سنة العزاء وبلورة مشاركة الأهالي مناسباتهم بروح الفريق المجتمعي الواحد ، وكنت في عصر ذلك اليوم قد اختلست ساعة ونصف الساعة لأتشرف خلالها بزيارة الأخ / قباس الفهد الذي سعدت هذه المرة بتواجده في بيشة والإطمئنان على صحته ،
وقد شدني كرم وجود ابنه فهد في لباقته في هذه السن المبكرة بحسن استقباله لزوار والده وطيب حفاوته ومباشرته ، حفظه الله ووفقه لكل خير ، والطيب لايستغرب من معدنه .
وبماأن الحديث عن بيشة فمن الصعب أن لا تتوارد الخواطر و تتجلى الافكار لما يخدم الصالح العام ، إذ أصر الأخ / مغرم بن فرحة الغامدي ابن بيشة الوفي المحبوب من الكل ، أن يستفز مشاعري ويستثير ذكراتي ، بجولة خاطفة شملت نمران وصوفان والتي يظهر انها مع الزمن ،
تحركتا غربا لتلتحم بالروشن وتشكل تكامل منظومة البناء الشامل ، مما جعلني وسط تزاحم الذكريات والصور الذهنية استعيد فكرة قد طرحتها في وقت سابق بإيجاز حول معلمين من معالم بيشة على مر العصور ، الأول ” سوق نمران ” التاريخي والثاني .
جبلها الأشم الأبيض النقي الذي يعكس صفاء القلوب وشموخ الطموح “الصايرة”فسوق نمران تعج بذكره وصوره كتب التاريخ بل وثقه كبار الرحالة من الغرب ، وارى أنه من الإيجابية بقي فيما يبدو إذ لم تختلف معالم حدوده اليوم كما هو ، محاطا باربعة شوارع ثبتت حدوده ،
والفكرة تتلخص بتحويله إلى ( مدينة تراثية اقتصادية ) سيما وأن معظم اطرافه مملوكة للاهالي بموجب صكوك شرعية وحجج إمتلاك بمساحات لاتتجاوز في أغلبها (10م2) حيث ناشدت يومها المجلس البلدي وقد لمست له حراكا نشطا في الأشهر الأخيرة في أن يتبنى الفكرة ، ويختار أحد البيوت الاستشارية او البلدية بالتعاون مع جامعة بيشة لوضع التصورات الأولية ،
نحو تكوين تلك المدينة بالاتفاق مع ملاك المحلات الصغيرة التي تنحصر في الأطراف ، وتتكون المدينة من قاعة بمسرح مع مدرج وميدان متوسطة للمناسبات ، تخدم المناشط التجارية والتراثية والفكرية والمدارس ، مكتبة تعنى بتاريخ بيشة ، مبنى إداري للغرفة التجارية ومكاتب صغيرة تجسد متاحف المنطقة وتقدم دعاية لها ، ثم يخطط سوق تجاري بمحلات ذات مساحات صغيرة تؤجر على الأسر المنتجة ومزاولي تجارة الاثار والمهن الحرفية ، وأي أفكار قابلة للتطوير . هذا فيما يخص سوق نمران .
أما العلم الثابت الجبل الأشم ( الصايرة ) فهو في النهار معلم لا يضاهى ، كان في الماضي يستدل على بيشة به عن بعد، ويمكن عمل مدرجات ضوئية مساءا من جميع الجهات ، ورسم لوحات ليلية ذات صلة بطبيعة بيشة كالنخلة والماء والكرم ، وتحويل ما حولها إلى منتزهات ترويحية وحدائق تسقى بمياه الصرف المعالجة التي ستعاني المحافظة من تصريفها مستقبلا،
وملاعب رملية ومطاعم شعبية ووجبات سريعة وفق مساحات تحدد من قبل مؤسسات متخصصة ، تراعي الخصوصية الأسرية والرؤى المجتمعية ورغبات الشباب ، وبذلك نسهم في خلق مجالات أكثر تكون متنفسا للأهالي وتزيد من حجم السوق السياحي ، و مثلما ابدع الأهالي في التنافس في إنشاء الفنادق والشقق السكنية ،
لاشك سيبدعون في مجال يرون أنه ممنهج ويسير وفق دراسات تطوير واضحة المعالم ، هذا وبالله التوفيق.
جدة ص ب : 8894 تويتر / saleh1958
التصنيف: