سعيد غدران وملحمة الجهات الخمس

• صالح المعيض

هنالك أشخاص من خلال سرد سيرهم الحياتية والعملية تشعر بأنهم لم يركضوا على ظهر هذه البسيطة عبثا ، ولم يمروا بين أترابهم مرورا هامشياً ، بل يرسمون لأنفسهم بأنفسهم طريق الحياة العملي وفق مراحل سنية بإتقان، لذا تجدهم شقوا مسالك الحياة بعد التوكل على الله ثم بالصبر والمثابرة ، فتتوا الصخر رملا وجعلوا الصعب سهلا ، وذلك بالعمل الدؤوب والطموح المحسوب منذ نعومة أظفارهم ، لم يهبطهم يتم أو تخيفهم غربة أو تكسّر مراكبهم عناء التنقل والأسفار ، لذلك رسموا لأنفسهم خريطة عمل لم تكن مدونة على كراسة ، بقدر ماهي في الذاكرة فطنة وكياسة.
هذه المقدمة المختصرة ، كانت مدخلا وخلاصة لحدث جلل حدث الاسبوع الفارط ، وهي مع الايمان بقضاء الله وقدره حيث فجعت المملكة ودول الخليج برحيل رجل الاعمال العصامي نحسبه كذلك ولا نزكي على الله احداً الشيخ سعيد بن علي غدران ،الذي وافاه الأجل المحتوم بالمنطقة الشرقية ، التي تفجرت فيها ينابيع جهده ورست فيها مراكب رحلته التي صنعت بفضل الله ثم بحنكته وإخلاصه مملكته التجارية الناجحة بكل المقاييس ، وقد نعته هذه الصحيفة الغراء البلاد على صفحة كاملة عرفانا بعطائه وتقديرا لمسيرته رحمه الله، وكم أتمنى أن يجمع ابناؤه البررة تجاربه ومسيرته التي انطلقت من جنوب المملكة إلى غربها ثم وسطها ثم شمالها حيث أستقر به المقام أخير بشرقها، في كتيب ليكون خلاصة تجارب ناجحة ومسرة كادحة، تدرس في ارقى الكليات الاقتصادية.
لست هنا بصدد التطرق لتلك المسيرة الخلاقة ، لأنني لست ملما بها وبفصولها الثرية مما قد يجعلني عاجزاً عن سرد تلك المسيرة المطورة والسيرة العطرة ، ولكن هنالك من اترابه ومن عايشوا مسيرته عن قرب الشيخ علي بن ابراهيم المجدوعي والدكتور سعيد ابو عالي. والذين شاهدت لهما لقطة مؤثرة قبل شهرين تقريبا من وفاة الشيخ سعيد وهما ينتظران عند باب العناية المركزة لحظة بداية الزيارة للاطمئنان على صحة صديقهما بل صديق كل من عرفه رحمه الله, وكم تجسد في الصور الذهنية عندي وعند من شاهدها من ملامح جلوسهما في ممر العناية من عدد من اللوحات الأخوية الصادقة ، وكأني بكل منهما يحدث نفسه ، عن لقاء لعله يزور توأم روحه ويجده في أتم صحة وأوفر حال ويسترجع معه مسيرة كم كانت محفوفة بالمخاطر ومشحونة بصدق التضحية ونبل العطاء ، وكم تمنيت مع تلك الصورة أن نجد في مجتمعنا كثيرا من تلك المواقف الانسانية الصادقة ، هذه لوحة صداقة لكن لي شخصيا لوحة أخرى تتحدث عن جانب إنساني تكتنفه المواقف الاجتماعية الفاعلة ، حيث كان أول لقاء لي به رحمه الله ، قبل 40 عاما عام 1398هـ أثناء زيارة الملك فهد رحمه الله ابان كان وليا للعهد لمنطقة الباحة ،و كنت مقدما لفقرات احتفال بني كبير بالزاوية وكان الشيخ سعيد -رحمه الله- مشاركا معنا بالحفل بحضوره المميز وكذلك شارك ببروازة ترحيب غاية في الابداع والتكلفة ، وكانت شامخة امام مقر مصرف الراجحي الحالي ، وقد عرفني به سعادة مساعد مدير شرطة الباحة يومها عبدالعزيز البيشي ابو عادل رحمهما الله ، و بعد حديث ممتع عرف أنني ارغب الانتقال من بيشة إلى جدة ، فعرض علي بعبارة لا زالت ترن في مسامعي نصا ( ودك بعمل بالشرقية الله يحيك ومن الآن بشهادة ابوعادل ) وحينما نقل ابو عادل العرض على والدي مسفر بن معيض (صمهود) رحمه الله الذي شكر الشيخ سعيد ، ولكنه غضب من فكرة رغبتي بالنقل من بيشة من حرصه على بقائي بجواره ، فهو رحمه الله الذي رباني واجهد نفسه من اجلي تقبله الله قبولا حسنا وجزاه عنا رحمة وغفرانا ، وكان موقفه مثمنا من قبل الشيخ سعيد ، وأذكر انه بعد عشر سنوات إجتمعت به في جدة في مناسبة اعتقد إذا لم تخني الذاكرة مؤتمر رجال الاعمال السعوديين الرابع بجدة برفقة كلا من الشيخ علي المجدوعي واحمد عوض الغامدي وصحبتهم حينها في أكثر من مناسبة ، وذكرني بوعده معاتبا حينما علم بأنني انتفلت من بيشة إلى جدة ، وأوضحت له أنني نقلت إلى جدة ، بعدما توفي والدي (صمهود) رحمه الله وموافقة ابنائه الكرام على الإنتقال ، عندها إقتنع وأعلن السماح.
تطرقت لهذه اللوحة لأجسد أن الشيخ سعيد رحمه الله ، لم يكن بمعزل على الهم المجتمعي ، والحرص على خدمة الآخرين ، حتى ولو لم يكن يعرفه او تربطه به علاقة ، وتجسد أنه كان كشاف للمواهب محبا لوطنه وابناء وطنه ، حتى أنه يعرض عليهم عرضا العمل ، ولم يسميها وظيفة ، وهذه نظرة ثاقبة ترسخ مفهوم “الوظيفة على انها عمل” وليس “العمل وظيفة” وهنالك مدلولان متناقضان ، حيث كل جملة ترسخ رؤية عميقة وابعاد إجتماعية إيجابية تشجع على البذل والعطاء، ولعلني أذكر من مواقف حبه للباحة انه اول شخص فكر في مشروع كبير وذا ميزانية كبيرة وهو فندق بلجرشي وملحقاته ، والذي حول جزء منه في الاخير إلى أكبر مستشفى خاص بعد أن فشلت جميع المشاريع لتنفيذ مستشفى شمولي خاص ، وكما وعدتكم لن اتحدث عن مشاريعه العملاقة ولا عن مشاريعه الخيرية رحمه الله ولكن عن قطوف من موافقه الانسانية والمجتمعية ، وارى أن أختمها بالاشارة إلى انه -رحمه الله – كان لا يحب التمجيد ولا الظهور الاعلامي رغم أنه يمتلك ويرأس مجلس أقدم مجلة سعودية والتي تحولت في الخير إلى صحيفة (الشرق) وقد يكون ممن ادار وحرر في المجلة والصحيفة أقدر مني وابلغ في التعليق على هذا الجانب ،. رحم الله الشيخ سعيد غدران رحمة الابرار وأسكنه فسيح الجنان ووفق ابنائه وذويه من بعد لإكمال مسيرة الخير والعطاء .. هذا وبالله التوفيق.
ص ب : 8894 تويتر( saleh1958 )

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *