التعليم و تحديد الأوليات

د/ دلال العباسي

شد انتباهي قرار وزارة التعليم بعد توقيع مبادرة التحول نحو التعلم الرقمي تاريخ 1-7-1438 الذي ستقوم به الوزارة بالتعاون مع شركات متخصصة في تطوير تقنيات التعليم لهدف تحويل مدارس المملكة العربية السعودية في عام 2020 ( بعد 3 سنوات) إلى بيئة تفاعلية رقمية، بهدف توجيه الطلاب لاستخدام التقنية بشكل إيجابي وتمكينهم من التفاعل مع العالم الخارجي. وكأول خطوة ستقوم الوزارة بالتخلص من الكتب المدرسية الورقية وتحويلها إلى أجهزة ذكية بحيث تقوم بتوزيعها على الطلاب والمعلمين بأسعار منافسة. وسيبلغ قيمة هذه المبادرة مليار وستمائة مليون ريال. في المقابل، قمت في بحث تخرجي بدراسة خبرات المعلمات السعوديات في استخدام التقنية في المدارس السعودية، كما اطلعت على بحوث عالمية في هذا المجال، بالإضافة إلى بحوث قام بها مواطنون ومواطنات سعوديون في نفس المجال. لم يسعني إلا أن أتأمل عند قراءتي لهذه المبادرة أو المشروع أو الخطة أو التحول أن ألاحظ التالي:

١- لاحظت وجود عبارات تعبر عن الواقع بشفافية أشكر الوزارة لإقرارها بها، مثل “البنية التحتية للمدارس تحتاج الى تطوير كبير”، و”يوجد مشكلة في سرعة الانترنت و خدمات الانترنت المتوفرة في المدارس أو ما يتعلق بالتجهيزات الموجودة حاليا”. وعبارة أخرى “لا يوجد خيار إلا أن نتوجه الى التقنية”. في رأيي أتفق بأن التقنية مصدر أساسي للتعلم والتعليم في زمننا الحالي وأصبحت جزء من حياتنا اليومية فمن الطبيعي أن نوجهها في خدمة التعليم. ولكن عندما قمت بزيارة المدارس في مدينة جدة، وبعد اختيار دقيق لهذه المدارس بحيث اشترطت أن تكون مدارس رائدة في استخدام التقنية، وجدت أن الإنترنت ليس فقط بطيء فيها ولكنه غير موجود أصلا! وكان الإنترنت الموجود في الفصول هو من الهواتف الذكية الخاصة بالمعلمات بحيث تقوم المعلمة بتوصيل  هاتفها بكمبيوترها الخاص بها لعرض مقطع للطالبات على شاشة عرض قامت بشرائها ايضا من مالها الخاص. فالمعلمات في المدارس التي قمت بزيارتها يقمن بشراء كمبيوترات وشاشات عرض وسماعات وحتى توصيلات كهرباء من مالهن الخاص، بل و يدفعن لرجل من أجل الصيانة و لاصلاح أي عطل أو لتعليق شاشة عرض! هذا بدون التنويه إلى أنهن يقمن بشراء ورق وحبر للطابعة و في أغلب الاحيان يطبعن الامتحانات و أوراق العمل خارج المدرسة من مالهن الخاص أيضا!

لقد كان من الأجدر أن تقوم هذه المبادرة  بتوفير مصادر التعليم الأساسية التي تفتقدها فصول الدراسة حاليا.  فأكثر المدارس في السعودية تحتاج إلى مباني جديدة، تحتاج صيانة لمكيفاتها، تحتاج تغيير لبنية كهربائية تحتية. المدارس تفتقد طابعات، أجهزة حاسوب، وشاشات عرض. كما تتميز معظم الفصول بتكدس طلابها. و تعاني المدارس من عدم توفر ملاعب صالحة و ان توفرت فلا يوجد صيانة لهذه الملاعب. كما أن العديد من المدارس تحمل المعلم حصص تزيد عن نصابهم لعدم توفر معلمين و معلمات. وفي كثير من الأحيان لا يتم تعيين إلا مسؤولة نظافة واحدة من الوزارة لكل مدرسة فتجمع المعلمات من مالهن الخاص لتعيين مسؤولة نظافة اضافية لتنظيف المدرسة. فكان من الأجدر أن تقوم الوزارة بحل هذه المشاكل أم أن الأولى التفكير في تحويل الكتب الورقية إلى أجهزة ذكية؟ إن من الأولى طبعا أن تكون هذه المبادرة لإعادة تجهيز وصيانة مباني المدارس السعودية لتتناسب مع زمننا الحالي وما يحتاجه الطالب و الطالبة من تهيئة بيئة نظيفة ومجهزة للاستخدامات الرئيسية من تقنية و غيرها قبل دفع ريال واحد من الميزانية على أجهزة بديلة عن الكتب.

٢- من ناحية أخرى وجدت بعضا من العبارات المبهمة في هذه المبادرة مثل “الاستخدام الإيجابي للتقنية” يجب أن يكون لجميع المشاركين في العملية التعليمية فهم واضح وخطة واضحة عن كيفية الاستخدام الإيجابي للتقنية! أنا أركز على هذه النقطة بشدة! لأنه حسب البحوث التي كتبت عن مبادرات الوزارة و كيفية تطبيقها على أرض الواقع و أيضا حسب ما عبرت عنه المعلمات أن من أكبر المشاكل والعوائق أمام أي مبادرة أو مشروع تقوم به الوزارة عدم وضوح الأهداف. فالأهداف والرؤية مكتوبة في مواقع الوزارة ولكن كيفية ترجمتها إلى خطوات عملية أمر مبهم. أرجو من الوزارة التعاون مع المعلمين والمعلمات لمعرفة ما يحدث و كيفية تطبيق هذه المبادرات بشكل يرفع من مستوى طلابنا فعليا ويزيد من حبهم واستجابتهم للعملية التعليمية.

٣. أما بالنسبة للعبارة الواردة في المبادرة  “تمكينهم للعيش مع العالم الخارجي” فتعقيبي هو ما يحتاجه أبناؤنا وبناتنا للتمكن من العيش مع العالم الخارجي ليس تقنية فحسب و تحويل الكتب من ورق الى شاشة، فالمملكة العربية السعودية لديها أكبر عدد من المستخدمين لتويتر وهي من أكثر الدول مشاهدة لليوتيوب ومن أكثر الدول صرفا على الأجهزة الذكية. ان ما يحتاجه أبناؤنا للعيش مع العالم الخارجي هو مهارة التواصل مع الغير، مهارة تقبل الآخر واحترامه حتى وإن كان مختلف! أبناؤنا يحتاجون أن يتعلموا كيفية العمل بطريقة مهنية، أن يتعلموا مهارة التفكير التحليلي والبعد عن العنصرية و العمل كفريق واحد. هذه المهارات التي ستساعدهم للتعامل مع العالم الخارجي وليست التقنية فقط.

٤. أما بالنسبة لتحويل الكتب الورقية إلى أجهزة ذكية وهو ما ركزت عليه هذه المبادرة، فسؤالي للوزارة هل يوجد بحوث كافية تبين أهمية هذه الخطوة بالنسبة للتحصيل العلمي وتعزيز المهارات بالنسبة للطلاب والطالبات؟ هل استندت المبادرة على بحوث عالمية ومحلية و تجارب عملية لمدارس استخدمت هذه الأجهزة ولاقت نجاحا باهرا؟  ما الهدف من تحويل الكتاب من ورقة إلى شاشة، ما هو الفرق؟ نعم، من الممكن أن نقول أننا نريد حماية ظهور أبنائنا وبناتنا من ثقل الكتب المدرسية، نستطيع أن نقول أن مع الجهاز الذكي يوجد محرك بحث وفيديوهات يستطيع الطالب أن يقرأ ويرى ويسمع ويتفاعل، ويمكن للتمارين أن تكون تفاعلية. نعم، سيكون شئ جميل و لكن هل نحتاج إلى صرف الملايين عليها في وقت يفتقر فيه النظام التعليمي للأساسيات؟ نحن نحتاج إلى مباني، نظافة، تحسين طرق التعليم، التعامل مع صعوبات التعلم و مساندة المعلم و الطالب للتعامل معها، توفير كوادر لمساعدة المعلمين والمعلمات و عدم التثقيل عليهم بمواد لسد عجز المعلمين،  تعليم مهارات أساسية للطلاب مثل مهارات التواصل والتفكير وطرق البحث، تعلم لغات أجنبية، تعليم أخلاقيات التعامل مع التقنية، تحويل المدارس إلى مدارس بيئية خضراء، ووضع حلول سهلة للتواصل مع الأهالي. أما بالنسبة للتمارين التفاعلية والفيديوهات فجميعها متوفر وطلابنا ومعلمونا يستخدمون حلول أبسط وبأسعار معقولة لتوفير هذه الإمكانيات. فهذه الأجهزة الذكية التي الوزارة تريد ان تعتمد عليها بدل الكتب تحتاج إلى صيانة دورية ومعرضة للكسر والضياع والسرقة وسنقع في نفس الفخ الذي وقعنا به من قبل مع معامل الحاسوب وهو فخ العهدة! فقد دفعت الوزارة الملايين على الحواسيب ولم تستخدم في مدارسنا بسبب الخوف من المساءلة في حال خرابها! ونفس المشكلة قائمة بالنسبة لأجهزة التصوير المتوفرة في المدارس و لكن المعلمات يقمن بالطباعة في الخارج خوفا من خراب الجهاز ومن ثم المساءلة.

بناء عليه، فأنا أرى أن تركز الوزارة على ما هو أساسي و تحدد الأوليات . مشاكل التعليم و دمج التقنية ليست فقط في مجتمعنا و لكن يوجد تجارب في كل بلاد العالم و توجد حلول خاصة لكل بيئة و بإمكاننا الاستفادة من تجارب الآخرين مما سيوفر علينا الوقت و المال و الجهد . أنا أؤيد استخدام التقنية و من دراستي و تجاربي العملية رأيت مدى الاستفادة منها ، و نعم الاجهزة الذكية لديها العديد من المزايا التي ذكرت في بحوث أجريت في بلدان مختلفة و لكن ايضا يوجد شروط أساسية يجب توفرها أولا قبل المضي في هذه الخطوة. فأهم خطوة لاستخدام التقنية هو دراسة ما يحدث في ارض الواقع في مدارسنا عن طريق التعاون مع المعلمين و المعلمات من هم على رأس العمل و معرفة احتياجاتهم و جعلهم جزء من عملية اتخاذ القرار قبل صرف ميزانيات بدون تحصيل النتائج المرجوه . و حسب بحثي المتواضع و هو في صلب استخدام التقنية فهذه المبادرة يجب اعادة النظر في أولوياتها.

د. دلال عمر العباسي

دكتوراه في تقنية التعليم

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *