إن العالم يتغير .. (فساد من)؟

زين امين

وانا اتصفح مواقع التواصل الاجتماعي صدمتني اخبار وصور التخلص من آلاف الكراتين التي تحتوي على دجاج الوطنية الفاسد ” كما تناقلتها الاخبار ” ثم صعقت عندما قرأت بيانا لشركة الوطنية للدواجن ” كما ورد ” تجرد الشركة نفسها من مسؤولية الفساد .. وترمي بالمسؤلية على احد الموزعين لمنتجاتها .. وذيل البيان بعبارة” غذاؤكم ترعاه ايد امينة ” ..وكأن الامر انتهى عند هذا الحد .. ولا زال المستهلك مصدقا لادعاءات الشركة .. بانه في ايد امينة ..

منذ فترة كنت اعمل مستشارا غذائيا لاحد مطاعم شركات الاسماك الكبيرة .. ووضعنا شروطا واجراءات صحية صارمة لنقل الاسماك من الموردين الى مستودعات الشركة ومطابخها .. ومن عادتي ان اتابع ميدانيا مدى فاعلية الانظمة التي اضعها ومراقبة مدى التزام العاملين والموردين والموزعين وحرصهم علي تطبيق تلك الانظمة والاجراءات.

كان ذلك في احد ايام رمضان قبل المغرب بساعة وانا اقود سيارتي الى مراكز التخزين لدينا في جولة تفتيشية مفاجئة ..شاهدت سيارة ..ونيت .. مكشوفة تحمل اسماكا طازجة تسارع الزمن متجهة الى نفس طريقي خارج المدينة .. ؟ وجاءني احساس انها ذاهبة الى مستودعاتنا .. تابعتها ..وصدق حدثي ..

وانتظرت بعيدا اراقب ما يحدث .. وماذا سيفعل المسؤول بتلك الشحنة. واصابتني الدهشة انه قبلها ..وابتدأ في اتخاذ الاجراءات اللازمة لادخالها المستودعات ..؟ ! وفاجأتهم بحضوري ..وكان علي وفق الانظمة والاتفاقيات ان نعدم تلك الشحنة ونتخلص منها ..فورا وعلى حساب المورد .. وتم ذلك فعلا ..وتم فصل المسؤول والموظف من العمل .. والغينا الاتفاقية مع المورد ..واعدمنا كل محتويات الثلاجات من الاسماك الموجودة بداخلها.

هذه قصة شركة صغيرة وليست في حجم الوطنية .. تعمل في قطاع الدواجن الطازجة والمجمدة ..كيف سمحت الوطنية لهذه الشركة او الموزع بتخزين كل هذه الكميات الضخمة من الدواجن .. واين مفتشو الوطنية الصحيين ومراقبي الجودة من التأكد من ان الموزعين يلتزمون بالشروط الصحية اثناء النقل والتخزين والتوزيع .. اين رقابة الانتاج والتوزيع والنقل في البحث والسؤال عن موزع يشتري منها هذه الكميات الضخمة من الدواجن .. واين سيرسلها وكيف يخزنها .. ولماذا تغيب كل هذه الفترة عن طلبيات جديدة ..

وهل كانت الشركة تعلم بحجم الكارثة قبل الموافقة على عمليات الاعدام والتخلص من تلك الكراتين .. لان المسؤلية المهنية والصحية والادبية والاجتماعية هنا مشتركة بين المنتج والناقل والموزع وبائع التجزئة .. وهل هذه هي الاساليب الصحيحة الحديثة للتخلص من الدواجن الفاسدة والتي تراعي البيئة والصحة وسمعة الشركة.

لماذا سكتت الشركة الوطنية عن اشهار اسم الموزع بالرغم من انه اصابها في مقتل .. اين الاجهزة الرقابية من اعلام الناس والمستهلكين بكل تفاصيل القضية .. وما هي التحذيرات الاجرائية التي يجب ان يتخذها المستهلك تجاه منتجات الشركة حالا .. اين الاعلام المتخصص ومهمته في البحث والتقصي لمعرفة الحقيقة .. وملابسات القضية .. هناك عشرات الاسئلة التي تحتاج الى ضمير حي وحس اجتماعي مسؤول ووطنية شفافة للاجابة عليها ..
وهناك اسئلة اخري يجب ان اوجهها للاجهزة الرقابية ذات الاختصاص ..

* هل الانظمة والاجراءات الخاصة برقابة وسلامة الغذاء واضحة وجلية ومتوفرة لكل المتعاملين؟.
* هل اجهزة الرقابة نشطة وفعالة وصارمة وتهابها الشركات والمحلات وكل المتعاملين بصناعة الغذاء؟.
* هل هناك برامج تدريب وتأهيل لكل العاملين لاكسابهم المهارات المطلوبة والوعي المطلوب للعمل في هذه الصناعة الدقيقة؟.

* هل نشاط هذه الاجهزة استباقي وفاعل قبل ان يصل الضرر الى المستهلك؟.
واذا كانت كل الاجابات علي هذه التساؤلات بالايجاب ..فسيكون سؤالي هو :

هل هذا فساد دجاج .. ام فساد انسان .. ام فساد شركات ؟.
يجب على الشركات ان تدرك ان التنصل من المسؤولية لا يعفيها من محاكمة المستهلك لها .. ومقاضاتها.
لقد تغير العالم …

التصنيف:

One Response

  1. الفساد: هو جعل الأشياء فاسدة، والفساد أصله تحول منفعة الشيء النافع إلى مضرة به أو بغيره. يقال: فسد الشيء بعد أن كان صالحاً.

    والقرآن الكريم يتحدث كثيراً عن (الإفساد في الأرض) وينعى على المفسدين فيها، أو يبغون فيها الفساد أو يعينون عليه، ذلك أن الله تعالى خلق الأرض صالحة وأودع فيها البركة الكافية من فوقها: (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً، ذلك رب العالمين. وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين)[فصلت/ 9، 10].

    ولهذا خشيت الملائكة من إفساد الأرض عندما أخبرها الله سبحانه بأنه جاعل في الأرض مخلوقات من البشر يخلف بعضهم بعضاً فيها: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك. قال إني أعلم مالا تعلمون) [البقرة/ 30].

    والمتأمل في القرآن عن الفساد والفاسدين أو الإفساد والمفسدين، سيجد أن إيقاع الفساد من قبل البشر يأتي على مراتب:

    أولها: إفسادهم أنفسهم بالإصرار على المعاصي وما يترتب عليها من مفاسد أخر. فكل معصية إفساد قال تعالى عن فرعون: (آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين) [يونس/ 91] وكل تولٍ عن الحق إفساد قال تعالى : (فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين) [آل عمران/ 63] وكل إعراض عن الإيمان إفساد، قال تعالى : (ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين)[يونس/ 40].

    المرتبة الثانية من الإفساد: ما يلحق بالذرية والأبناء والأتباع في اقتدائهم بالكبار المتبوعين في مساويهم. ولهذا قال نوح عليه السلام : (إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً)[نوح/ 27].

    المرتبة الثالثة:
    إفساد الدائرة المحيطة بالمفسدين عن طريق بث أخلاق وصفات ودعاوى الفساد، وذلك بالإسراف في المعاصي حتى يتعدى أثرها إلى غير أصحابها، ولهذا قال صالح عليه السلام ناهياً قومه عن التأثر بالمفسدين: (ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون )[الشعراء/ 152].

    المرتبة الرابعة: إفساد الدائرة الأوسع في المجتمعات عن طريق إشاعة الأمراض الاجتماعية المفسدة بواسطة المضلين مثل إثارة فتن الشبهات والشهوات، والوقوف في وجه المصلحين وإحداث العقبات في طرقهم زعماً بأنهم يقفون ضد مصالح الناس. قال تعالى :
    (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) [البقرة/ 11]. وقال الملأ المضلون من قوم فرعون: (أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك) [آل عمران/ 127].

    المرتبة الخامسة: الإفساد الناشئ عن فساد القادة والزعماء، وهو الفساد الأكبر، لأن الكبراء إذا فسدوا في أنفسهم فإنهم ينشرون الفساد بقوة نفوذهم واستخدام سلطاتهم وقوتهم وقد ذكر القرآن عن بلقيس قولها:
    (إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة، وكذلك يفعلون) [النمل/ 34]
    وكثيراً ما يزعم الطغاة المتكبرون أن المصلحين هم أصحاب الفساد. كما قال فرعون عن موسى عليه السلام :
    (إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد)[غافر/ 26].
    هذا بالرغم من أن فرعون نفسه كان مكثراً من الإفساد بكل أنواعه، ولا تشفع له الأبراج العالية والأصنام المنصوبة والقبور المشيدة فيما يطلق عليه (الحضارة الفرعونية) فإنها جميعاً شواهد على استبداد وسيطرة وطغيان الفراعين الذين كانوا يطمعون أن ينقلوا معهم الثروات المسروقة من الشعوب المستضعفة إلى قبورهم. قال تعالى :
    (وفرعون ذي الأوتاد، الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد) [الفجر/ 10 12]. وقد وصف القرآن فرعون بالعلو والإفساد في الأرض: (إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً، يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم، إنه كان من المفسدين) [القصص/ 4].
    ومثلما كان فرعون، مفسداً بنفوذه السياسي والعسكري، فقد كان قارون مفسداً بنفوذه المالي الاقتصادي.
    وقد أوسع المتعالون من بني إسرائيل الأرض فساداً، فكلما زاد علوهم زاد فسادهم. وكثر فسادهم وإفسادهم حتى صار الإفساد دينهم، وصار طبيعة فيهم حتى أنهم لا يشعرون بذلك. قال تعالى: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) [البقرة/ 14]. ولم يفلح معهم العلاج، حتى الوحي المتنزل من السماء لم يمنعهم من الإفساد، بل كانوا يوغلون في الطغيان حتى فيما بينهم، فصاروا ميؤوساً من صلاحهم واستحقوا أن يكونوا الأمة المغضوب عليها إلى يوم القيامة بسبب فسادهم وإفسادهم.

    إن تلك المراتب الخمس للإفساد في الأرض، قد أحدثها ويحدثها البشر على هذا الكوكب، فالناس لا غيرهم من المخلوقات هم الذين ملأوا الأرض بالفساد حين ضلوا عن مناهج الوحي الإلهي عبر العصور، أما بقية مظاهر الحياة على الأرض فإنها تتأثر بفساد المفسدين من البشر تبعاً. قال تعالى :
    (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) [الروم/ 41].
    إن الصراع الواقع على ظهر الأرض منذ بدأت عليها الحياة البشرية، إنما هو صراع بين المصلحين والمفسدين والعاقبة فيه لأهل الصلاح في الدنيا والآخرة قال تعالى : (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً، والعاقبة للمتقين) [القصص/ 83].
    نسأل الله عز وجل السلامة ..
    ولك وللقراء تحياتي وتقديري ،،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *