كان يا ما كان في قديم الزمان…
و يبدأ الخيال في لعب لعبته الجميلة فينا، فينزعنا من براثن الواقع، ويحملنا إلى آفاق لا تتسع لها منغصات الحياة، هذا لو نظرنا للحياة على أنها منغصة..
(كان يا ماكان) هذا المفتاح السحري الذي يجعلنا نتخذ وضعية المنصت ونتحلق حول الراوي، إن لم يكن بأجسادنا فبمكنونات نفوسنا ويعم حولنا السكون، لأننا على يقين أن ما سيروى يجلب السعادة مهما كان مقدار هذه السعادة المرتبطة ببراعة المتكلم فهي سعادة حقيقية، ولعل أجمل الرواة ذلك الذي يجعل مضمون القصة مستمر حتى بعد رحيله، نتذكرها في طريق العودة للواقع، وعندما نضع رؤسنا المنهكة على الوسادة لتخترق أحلامنا وتكون جزء منها، أو أثناء جلوسنا على الشاطئ ونحن نستمع لحفيف الهواء وهدير البحر، في تلك اللحظة ومهما كان عمرك الفعلي أو الافتراضي – والافتراضي هنا يعود إلى مدى تقديرك لهذا العمر وشعورك به- فإنك مع بداية الرواي في السرد يتوجه كل تفكيرك نحوه، وتكون في حالة الاستعداد التام لسماع ما يقول، بل قد تصل إلى درجة تخيّل ذلك الراوي وهيئته ومكان جلوسه في حال كنت تسمعه دون أن تراه.
“كان يا ماكان كان ياماكان
الحب مالي بتنا ومدفينا الحنان
زَرنا الزمان سرق منا فرحتنا والراحة والآمان”
عوامل التعرية الزمانية لم تترك زمناً إلا وقد أجرت عليه عمليات جراحية غيرت من ملامحه، حتى أنها وصلت لتلك المعاني التي كانت تعيدنا إلى أيام الطفولة، فأصبحنا نجد لكل حدث العديد من المبررات بمنطق اللا منطق، لنجعل له جواز مرور يعبر به من خلال عقولنا وتتقبله، فنصل إلى إيجاد مبرر في عصرنا الحالي لذئب ليلى على ما فعله بجدتها، لتتحول القصة من إدانة الذئب.. إلى البحث عن محامي بارع يدافع عنه ويخرجه بريئاً من القضية كأبسط حق من حقوقه التي فرضتها منظمة حقوق الإنسان أو الحيوان..
ننظر في عيون الصغار ونتابع بريق السعادة والفرح وأيضاً لحظات الحزن التي تراكمت بفعل أمور لم تكن من صنعهم فنردد في تمني : ليتنا نعود صغاراً.. أمنية تمناها الكثيرون فقط حتى تعود المعاني الجيدة لنصابها الصحيح، وكأن تلك المعاني تنتظر سن النضج لتتنحى جانباً وتفسح الطريق لشيطان الهوى والأنانية بالمرور، أو أن ذلك اللئيم يقوم بوأدها في مكانها فلا تزعج مخططاته مرة أخرى..
ليس لنا إلا أن نستعيذ منه ثم نحاربه على طريقة فايزة أحمد مرددين (أبعد ياشيطان.. أبعد يا شيطان) وننعم بما لدينا من مرحلة عمرية، فلا نتمنى أن نعود صغاراً بل نسترجع أيام الطفولة بسعادة المنجز وفخر المقدام، ونبقي تلك الأيام ذكرى نسردها ببراعة الراوي قائلين: ( كان يا ما كان.. في زمن من الأزمان..)
للتواصل على تويتر وفيسبوكemanyahyabajunaid

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *