لغة الماعز …
عندما كنا صغارا كنا نلعب في الأزقة والحواري ..ونجد حولنا قطعانا الأغنام والماعز تصيح .. مااءء .. مااءء .. وفجأة يأتي تيس الحارة ..( ذكر الغنم) ويمأمئ بقوة ويزمجر ..مااءءء .. وفي تلك الأيام بحكم صغر أعمارنا لم ندرك لغة الأغنام والمعيز .. لقد كانت أذكى وأنبه منا ..؟!
في تلك الفترة أدركت الاغنام شح المياه وندرتها .. وادركت اننا مقدمون على كارثة عطش لا محالة. واليوم ادركت انا انها كانت علي حق ..فهي سبقتنا وسبقت عصرها لانها كانت تعاني من العطش وتقول لنا اعطني رشفة ماء؟ بل ذهبت الى ابعد من ذلك وضربت لنا المثل واكلت الورق .. حتي لا نسرف الماء في زراعة اعلافها ..
يا اصدقائي ..لا غرابة فيما اقول ..فان الحيوانات كثيرا ما تتنبأ بالكوارث الطبيعية قبل البشر ..فالارانب والدجاج والكلاب تتنبأ بالزلازل وتنبه الانسان بالكارثة القادمة .. وهكذا تفعل الاغنام والماعز معنا ..
قبل 25 عاما كنت احضر مؤتمرا في القاهرة تنظمه سنويا شركة ( تيم) الخبراء العرب في الهندسة والادارة والذي كان يديرها الخبير والرائد صديقي الدكتور نبيل شعث ..حيث قال بالحرف الواحد في محاضرته ..ان الحروب القادمة في منطقتنا العربية ستكون بسبب شح وندرة المياه .. ومنذ ذلك الحين لم ار اي استراتيجيات او خطط وطنية لمواجهة الكارثة القادمة وهنا يهمني بالدرجة الاولي التحدي العظيم الذي ستواجههه المملكة العربية السعودية من نقص المياه ..او حتي انعدامها الا من المياه المحلاة من البحر .. وباسعار باهظة جدا؟.
اليوم وصلني مقطع فيديو علي الواتس اب .. لمقابلة علي روتانا خليجية مع الدكتور محمد الغامدي عن ازمة المياه في المملكة العربية السعودية ..الخص لكم اهم ما قاله وبتصرف .. قال ..
نضوب المياه قضية وطنية ..وان العطش والموت هو المصير المحتوم ما لم يتوقف الهدر المائي في الزراعة .واستشهد بان شركة زراعية في المملكة تستهلك من المياه ما قيمته استهلاك اكبر ثاني عاصمة عربية ..هي الرياض؟ !
يقول الدكتور الغامدي .. كل ما يجري الان هو ضد المنطق والنظريات العلمية والواقع.. نحن نضيع 90% من المياه الجوفية في الزراعة ..ونقوم بتحلية مياه البحر ..وهذا منطق مقلوب ومرفوض.
وقال ايضا ..هناك مزارع لمسؤولين تزرع الخيار وتصدره الى اليابان والبطاطس الى هولندا بأرخص الأثمان . . ثم حكى لنا انه زار شركة زراعية بها بحيرة تسبح وتسير فيها قوارب للعمال من مياه الآبار والصرف الزائد يرمي داخل البحيرة .. ؟!!
عزيزي القارئ .. بعد هذه الصرخة القوية المدوية التي اطلقها الدكتور محمد الغامدي اسمح لي ان اضع بعض النقاط امام ناظريك ..
* *مشكلة المياه ندرتها وادارتها ..كونية فالعالم يبحث عن المياه في الكواكب الاخرى.
* *بحلول عام 2030 سيعاني 1.8 بليون انسان من شح المياه وندرتها ..ونقص الغذاء والكهرباء المنتجة باستخدام المياه وذلك نتيجة لزيادة عدد السكان وسوء الاستخدام .. وتغير المناخ ..
وبناءا علي الأبحاث والدراسات فان دول الشرق الاوسط وعلي راسها المملكة العربية السعودية ..اولي الدول التي ستواجه الكارثة القادمة ..
وعليه فانني ادعو الى نظرة جادة وعلمية لتطبيق قوانين صارمة علي استخدامات المياه في الزراعة ..وادارتها وتغيير انماط وسلوك الاستهلاك ومنها ..
* * ترشيد الهدر المائي في المزارع وتقنين استهلاكه في اضيق الحدود والذي يضمن لنا الامن الغذائي الوطني وليس للتصدير.
* * توظيف التكنولوجيا في طرق الري للمزارع مثل استخدام طائرات الدرون لري المناطق الزراعية الغذائية.
* * بناء وانشاء خزانات عملاقة لخزن مياه الامطار لاستعمالها عند الضرورة.
* * الاستعانة بالابحاث والاساليب المتطورة العالمية لتحلية المياه واعادة تدويرها وتنقيتها .. بل يجب ان نذهب الي ابعد من ذلك بانشاء مراكز ابحاث وطنية لانتاج مياه محلاة باستخدام تكنولوجيا النانو رخيصة الثمن.
* * معالجة تسرب المياه من الانابيب الارضية قبل وصولها الي المنازل والمصانع حيث يقدر هدر التسرب ب 20% من المياه المنقولة. وذلك باستعمال تكنولوجيا المجسات والحساسات واجهزة الرقابة الالكترونية.
* * استخدام تكنولوجيا انترنت الاشياء والهواتف الذكية وتطبيقاتها لمعرفة كميات الاستهلاك الانية والفورية للفرد بعد كل استخدام.
* * تضمين مناهج التعليم بجميع مراحله ثقافة وعلوم وتكنولوجيا المياه واستخداماتها المرشدة.
وهناك العديد والعديد من التجارب والخبرات لامم سبقتنا في معالجة ندرة وشح المياه ..فيجب علينا الاستعانة بهم وبتقنياتهم.
ومن هذا المنبر ..اقترح ان نعلن ان الاعوام الخمس القادمة هي. ( سنوات الحفاظ علي ثروتنا المائية) . وذلك بوضع خطة وطنية شاملة عنوانها
كي لا نعطش .. ولا نموت …
ان العالم يتغير ..
التصنيف: