لا يوثق بدولة تتكرر منها الاساءات

• عبدالله فراج الشريف

كأني بك إذا تكررت من فرد الاساءة إليك مرات ومرات ستلجأ إلى اتخاذ قرار سريع لمواجهة اساءاته بسرعة لتوقفه عند حده، وإلا فانه سيتمادى في الاساءة اليك كل يوم وباستمرار، لأن صمته عنك سيوحي له بضعفك، بل وعدم قدرتك على الرد عليه الرد الحاسم والمفاجئ الذي يوقفه عند حده، والدول كالافراد إذا تكررت منها الاساءة إلى الدول الأخرى ولم يواجهوا اساءاتها بحسم بحيث تتخذ من المواقف ما يمنعها من الاساءة اليها، فانها لن تتوقف عن الاساءة إلى الدولة التي صمتت على الاساءة، ولم تتخذ من المواقف المعادلة ضدها لتمنعها من الاساءة سريعاً، خاصة اذا كانت الدول المسيئة ليس فيها من العقلاء من ينبهها الى ان الاساءات اذا تكررت ولدت مواقف جادة قوية للردع لدى الدولة المساء اليها خاصة اذا كانت تملك من الوسائل الرادعة ما يمكنها به تحجيم مواقف هذه الدولة المسيئة وبسرعة وحسم شديدين وقد استطاعت كثير من الدول المعاصرة الرد على دول هي الأقوى منها، لانها أساءت اليها وتبين للعالم سوء مواقفها، فكيف اذا كانت الدولة المسيئة هي الاضعف والاقل قدرة على الردع، واساءاتها متكررة وظاهرة ولهذا نجد دولا اعتادت الاساءة، لكنها بمجرد الرد الحاسم عليها أنزوت ولم تعد تستطيع مواجهة الاساءات، ودولة خليجية صغرى تنمرت، وارادت بالاساءة أن ترسم لها دوراً في محيطها، استطاع الكثيرون تحجيمها في زمن مضى، فكيف عن إساءاتها زمناً، ولو عاملها الأقوياء بلون من التسامح معها ظنت ان هذا ضعفاً فيهم فتوالت الاساءات دون رادع، ولابد من إعادة احياء التجربة ولا أقول مواجهة الاساءة بمثلها، وإنما باظهار الحزم في مواجهة العبث كما صنع معها أول مرة، فانها حينئذ ستكف عن الاساءات حتماً، بل انها ستنزوي في المكان اللائق بمثلها، وتعود الأمور إلى نصابها الطبيعي، وسترون كيف تسعى الى من وقف في وجه اساءاتها بحزم تطلب رضاه، وتقدم الاعتذار تلو الاعتذار كما كانت تفعل سابقاً، فالصمت في مواجهة الاساءات تلو الاساءات لا يمكن لعاقل ان يصفه بالتسامح، بل هو تفريط في الكرامة، يجعل الجبان يتنمر، أو كما قال الشاعر لمن استعان بعدوه وعدو أمته لينتصر عليها:
ومما يزهدني في أرض أندلس
أسماء معتمد فيها ومعتضد
ألقاب مملكة في غير واضعها
كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد
وكم قد سقطت دول، لانها استهانت بغيرها، وهي لا تملك من الوسائل ما يمكنها من النصر عليها، فأساءت اليها حتى دعتها الى ان تحاسبها، فما أنّ عزمت على محاسبتها حتى انهارت، وتبددت احلام من لا يملك من الوسائل ما يجعله عظيماً، فسقط في هوة سحيقة يستحيل أن يخرج منها أبداً، وكم حذر العقلاء من يعيشون في الأوهام فلم يقبلوا منهم النصيحة، فآل أمرهم الى هزيمة لا يمكن النهوض بعدها أبداً.
وكأني بزمان أغرى ضعاف النفوس بمواقف نهايتها هلاك لهم، لانهم اتخذوا من المواقف متسرعين ما اودي بهم الى المهالك، لضعف عقولهم ولانهم ما قاسوا من تجارب الحياة ما أهلهم ليكونوا في الموضع الذي يودون ان يكونوا فيه، فأرتكبوا الاخطاء تلو الاخطاء، حتى زلوا وضاع منهم ما كانوا يودون لو بلغوه من المكان والمكانة، وكم كانت الثروات سببا في الضياع، اذا وصل إليها من لم يكدّ في الحصول عليها فأنفقها فيما عاد عليه بالضرر وصدق ابوالعتاهية حين يقول:
إن الشباب والفراغ والجدة
مفسدة للمرء أي مفسدة
فكيف اذا ورث الغر الجاهل المال، وحكم العباد بلا علم ولا دين فتوقع منه المظالم من كل لون.

ص. ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043
[email protected]

التصنيف:

One Response

  1. صدقت في جميع ماذكرت عزيزي الكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *