إيمان يحيى باجنيد
طلب المعلم من تلاميذه عبارات في وصف الهدهد..
شعر بالفرح فقد كانت عنده إجابة تختلف عمن حوله، أخبر نفسه بأن الوقت قد حان ليصنع من تلك الإجابة لحناً أدبياً جميلاً.. لكنه صدم بردة الفعل، فلم يظهر المعلم اهتماما، ورد بأسلوب بارد قائلا : أحسنت..
تمنى الصغير لو أن الحماسة لم تأخذه إلى توقعات أعلى، ولو أنه أبقى على ما تحمله مخيلته من أفكار،تكررت ردة الفعل تلك أكثر من مرة، إلى أن جعلته يظل صامتاً بعدها، واستمر صمته أياماً عدة، كان في السابق ينتظر كل أسبوع حصة الإنشاء، ليخرج ما في نفسه من عبارات، والآن أصبح يتحجج بأي أمر حتى يتغيب عن الحضور في ذلك اليوم..
في يوم من تلك الأيام التي أصبحت تسبب له الأذى، طلب المعلم هذه المرة تعبيراً عن الكره والمحبة، وبالرغم مما كان يحمله من جميل الوصف لهذا المعنى، إلا أنه آثر الصمت مرغماً وقرر أن لا يجيب، كان ينظر له المعلم ينتظر منه أن يرفع يده أو حتى أن يرفع رأسه وينظر نحوه، لكنه كان ممسكاً بقلم الرصاص في يده، وأخذ يرسم به دوائر عشوائية بكثير من التوتر، لم يتنبه للسرعة التي كان يستخدم فيها القلم إلى أن أجفل على صوت معلمه الجهور وكسر قلم الرصاص
-أحمد.. أتحفنا
رفع رأسه ونظر في وجه المعلم الذي لم يغير من ملامحه حتى يفهم منها ذلك الصغير إن كان ما يظهره نظرات إعجاب أم سخرية..
– نعم أستاذ؟
-“ابتسم المعلم هذه المرة”.. قلت أتحفنا
نسي كل العبارات التي كانت حاضرة في ذهنه ولم يتنبه لقطرات الدم والألم الذي أصاب يديه بسبب كسره للقلم.. أشاح المعلم بوجهه بعيداً نحو تلميذ آخر وترك أحمد في حيرته.
مرت عدة عقود أصبح فيها ذلك المبدع يؤثر الصمت، وكلما شعر برغبته في الإبداع.. تلمس موقع قلم الرصاص، فيتراجع عن قراره ويبقى صامتاً ليرى بعد فترة بسيطة أمام عينيه إبداعاته تظهر وتزدهر على أيدي الآخرين.
في أحد الأيام كان يصلي في المسجد وبعد أن أتم صلاته، نظر في أحد المصلين وتعرف عليه على الفور، وبقي ينظر إليه.. تواردت في ذهنه العديد من الأسئلة تمنى لو أنه يستطيع أن يتوجه إليه ويخبره بما صنعه في نفسه، تنبه الرجل لنظرة الشاب فتوجه نحوه..
-تعرفني
-“في تهكم ساخر”عز المعرفة..
-مين إنت؟
-أحمد .. اللي كان يستمتع بوصفه للهدهد
تنبه الأستاذ وفطن لما يعنيه الشاب فأجابه..
– يا الله.. أتأخرت..
-في اي… ؟
-توقعت رؤية كتاب لك من زمان..
ثم مضى، تاركاً خلفه حالة من التعجب تملأ قلب أحمد وتفكيره..
إن كان يعتقد أن تلميذه هذا مبدع فلماذا لم يخبره.. لماذا لم يدفعه نحو التميز.. لماذا لم يحسن الثناء عليه.. أو يقف معه داعما له..؟
ما الفائدة من كل تلك الأسئلة، وما فائدة إجاباتها، مادام ذلك الأستاذ فضل الإبقاء على مظهر المعلم الوقور الشديد، ولم يحدث فرقا في حياة ذلك التلميذ..
كثير من المبدعين يقفون على مقربة منا، وكان من الممكن أن يكونوا في مصاف النخبة لو أننا فتحنا أكفنا واحتضناهم.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *