قبل أن يبلغ السيل الزبى.!
يحكى أنه في أحد المعارك العالمية وبين صفوف الجنود الأمريكيين، تواصل أحد الجنود مع أسرته يطمئنهم على حاله، وفي أثناء حديثه معهم أخبرهم بعودته قريباً للبيت،
فعبروا عن مدى سعادتهم بذلك الخبر، ثم طلب منهم أن يسمحوا له باستضافة زميل من أرض المعركة في المنزل لفترة من الزمن،
رحبت الأسرة ولم تمانع ، لكن الشاب أكمل حديثه بوصفه أن ذلك الزميل ممن أصيبوا بقذيفة فأصبح لا يستطيع السير، ويحتاج للمساعدة، هذه المعلومة جعلت الأسرة تتراجع عن قرارها.. بحجة أن الأمر سيكون شاقاً جداً ولا يمكن مساعدة المصاب والاعتناء به..
مر وقت من الزمن وانتهت الحرب، ولم يعد الجندي إلى أسرته، وعندما حاولت الأسرة البحث عن ابنها الغائب وصلتهم رسالة تحتوي على الآتي.. ” ابنكم انتحر بعد أن تعرض لقذيفة أفقدته قدرته على السير من جديد، ولم يتحمل أن يكون عبئاً على من حوله”.
على الجانب الآخر من الكرة الأرضية، ومنذ أكثر من ربع قرن سمعنا أولئك الذين ألقوا بأنفسهم من مرتفعات بعد موت الفنان الشهير الذي عشقوه ولم يستطيعوا العيش بعده.. وانقسم بعد تلك الحادثة جميع من سمع بها أو شاهدها بين مستنكر لما حدث ومتعاطف لمشاعر المنتحرين وقد سمعنا أيضاً عن ذلك الشاب الذي لم يستطع الوصول لمحبوبته، فشرب السم حتى لا يعيش دونها.
في كل هذه القصص وبصرف النظر كونك من المستنكرين أو المتعاطفين، إلا أنك مرغم على التصديق بحدوث أمور كهذه، سواء كان الهدف نبيلاً أو لا قيمة له..
بالله عليك.. هل تعتقد أن ذلك العصر قد ولى، وأننا نعيش صحوة فكر ووعي تشجب مثل هذه الأفعال.؟ اختلف المضمون وتشكل في وضع آخر، فلم يعد العشق مرجعه مطرب أو حبيب، بل تشعبت أنواعه لتتماشى مع معطيات هذا العصر، حتى أن الانتحار أصبح له مسميات أخرى، ليكسب طابعاً مقبولاً وذا قيمة.
من الممكن أنك قد سمعت قبل ذلك بشهيد القضية وشهيد القلم وشهيد الحرية.. ولأننا كبشر تغلب علينا عاطفتنا التي تحثنا على الرأفة والحنو وقعنا في شراك كلمة شهيد، فأصبحنا في الوهلة الأولى ننصاع للفظ الكلمة، حاملين تعاطفنا نحو من نسبت له ” نوع من الغسل الدماغي اللفظي” لكننا لو نظرنا للأمر برمته لوجدنا أنه انتحار وليس
غيره يتجمل في ثوب الشهادة وهي منه ببعيد.
هل حديثي يحمل بين طياته نوعاً من القسوة.؟
عندما يتعلق الأمر بأن أزين للجيل القادم هدر النفس برفع شعارات لا يحملها من أطلقوها بل يبحثون عمن ينوب عنهم في حملها، عندما يُلَوث منبر الثقافة والعلم ويصبح وسيلة لجذب القلوب الضعيفة، عندما يُهدد أبناؤنا وتُشتت أفكارهم فلا يعرفون الفرق بين الحليف من غيره، عندما يضيع مفهوم الغاية الحقيقية من الشهادة نعم سأتحدث بقسوة.
للتواصل على فيسبوك وتويتر emanyahyabajunaid
التصنيف: