كان أعظم نصر في الاسلام ما تحقق يوم غزوة بدر الكبرى، حينما هيأ الشيطان للمشركين أنهم قادرون على أن يهزموا الإسلام، الذي بدأت دولته تظهر معالمها بالمدينة المنورة، مهاجر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وصحبه، وبدأت دولتهم تستقر- بإذن من الله- بطيبة الطيبة، وتتعمق جذورها في الأرض، وينضم إليها المؤمنون من كل أرض، يقدمون فيها على سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ويقدمون له بيعة تترسخ في النفوس، وتقام لها دولة نصر يتجدد على مدى السنوات، فكان في تدبيرهم تدمير لكل خططهم المناهضة لسيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم، وصحبه- رضوان الله عليهم، مما شتت بإذنه شملهم، ويريد الله ان يجعلهم يجربون أقسى الهزائم، فلا باطل ينتصر على حق أبداً، ولا تدبير سوء ينجح، وقد تكفل الله لعبده ورسوله سيدنا محمد بن عبدالله، وصحبه بالنصر، وأمدهم بقوة خلقها فيهم، وأمدهم بقوة أرسلها لهم من السماء حيث يقول : (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون. إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين. بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين) ومع أن اشتراك الملائكة في معركة بدر حقيقة، يؤمن بها عباد الله المؤمنون بوحى ربهم إلاّ أن القرآن الكريم يقول: (وما جعله الا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم)، نعم، بالإيمان ينتصر عباد الله المؤمنون الصادقو الإيمان، الذين يهبهم الله النصر المؤزر على قلة العدد والعدة، سواء أأمددهم بالملائكة أم لا، وكم تثبتوا في مواقع كثيرة؛ حتى في مواجهة أضعاف أعدادهم ونصروا- بفضل من الله- وإكرام لهم، وسيظلون على ذلك مهما تقلبت بهم الأزمنة والأوطان، فما رسخ ايمان في قلب إلا وخلق مجاهداً قوياً، يواجه الدنيا كلها بصدره ولا يهزم، وكما دعا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صحابته من الرعيل الأول من المجاهدين -عباد الليالي ومقاتلي الليل والنهار الى الجهاد بالنفس، فبذلوا الأموال والأرواح في سبيل الله فأتاهم النصر تلو النصر، وأسسوا للحق دولاً في شتى أقطار الأرض، وكأن نصرهم يسير في ركابهم الليل مع النهار، وحققوا الآمال، وشاعت عبادة الله في شتى أرجاء الارض بجهودهم الخيرة، رخصت منهم الأنفس فكانوا مجاهدين حقاً فانتصروا، فلما زاغ منهم من زاغ عن الحق هزم، وإن امتلك من السلاح والعتاد الكثير، ولكنه فقد الإيمان الذي يؤدي الى النصر فرأى المسلمون الهزائم عبر أقطارهم، وتشتت منهم الجهد وقل أن عرفوا النصر بعد فقد الإيمان، وليعودوا إلى ربهم وليتذكروا قول ربهم -عز وجل (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين. يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبون مائتين وإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون. الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكم منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين) ولعل معركة بدر التي سنحتفي بذكراها في السابع عشر من رمضان، مثال حي لنصر عزيز مع الإيمان على قلة عدد وعدة، وبها عز الاسلام، وفتح الباب لانتشاره في كل الجزيرة العربية ثم ما حولها؛ حتى إن بلغ أقاصي الدنيا وبايمان وقوة صنعت المعجزات، ورأينا الدنيا كلها تخضع للمسلمين أزماناً، رد الله عباده المؤمنين إليه رداً جميلاً وقوى عزائمهم، فانتصروا على أعدائهم فكانوا قوة مهابة في الدنيا اقتصاديا وعسكرياً وعلمياً، ونشروا دينهم بحق ودون ظلم… والله الهادي الى سواء السبيل.
ص. ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *