فتة مقادم ( كوارع) ..

زين امين

اتصل بي اخي ورفيق دربي الاستاذ حسن الطيب ..مساعد المدير العام للموارد البشرية ..في الخطوط السعودية (سابقا) ..واتاني صوته حانقا علي الهاتف وقال لي ..هل تذكر كيف كانت بداياتنا في السعودية؟.. يوم ان جاءنا السيد حمزة الدباغ ..رحمه الله ..

حيث كان يشغل وظيفة مدير عام التدريب آنذاك وكنا نحن طلبة ووزع علينا كتابا ( البس من اجل النجاح) لمؤلفه جون موللوي … قلت له وكيف لي ان انسى تلك الفترة من حياتي .. وقاطعته متسائلا..ما مناسبة هذا الحديث؟

فقال لي كنت اليوم في صالة الفرسان في مطار الملك عبدالعزيز في جدة وقابلت احد القياديين الاداريين لشركة عملاقة في المملكة ..وهالني مظهره من طريقة لبسه ..وكان يأخذ صوراً “سيلفي” لنفسه في اوضاع مختلفة كي يريني اياها ويرسلها إلى اهله واصدقائه في الفضاء المفتوح؟ !!

فضحكت بصوت عالٍ وقلت له ازيدك من الشعر بيتا ..
بالامس ..وصلني مقطع علي الواتس اب من شخصية قيادية مرموقة يستعرض صورا لعشائهم ..عبارة عن فتة مقادم ولحمة راس ..وصاحب المقطع تعليق .. هذا عشاؤنا الله يحييكم. ؟!!

وتذكرت .. انه عندما التحقنا بالخطوط السعودية قبل سنين طويلة خضعنا لبرنامج تدريبي مكثف مدته ستة اشهر وكان اول درس تلقيناه هو كيفية استعمال الهاتف ( كان بالطبع ارضيا) وطريقة الرد علي المكالمات صوتا وحديثا. !!

والجوانب البروتوكولية في التحادث مع المتصل علي الجانب الاخر وخصوصا في المنزل ..وقالوا لنا لا تترك اطفالك الصغار يردون على الهاتف حتي لا تضيع وقت المتصل في حديث ليس له نهاية معهم تماما كما شاهدنا في اغنية بابا فين ..!! والجانب الاخر المقصود من هذا التحذير هو عدم الكشف عن المنطقة العمياء في حياتك وخصوصياتك مع عملائك عندما يتصلون بك ..حيث يمكنهم استدراج الاطفال في احاديث واخبار تفصيلية عنك وعن عائلتك وحياتك ..الخ ..

ولكن من مفارقات العصر ..اليوم نرى المسؤول نفسه يقوم بفتح قناته الخاصة علي مصراعيها عن طريق وسائط التواصل الاجتماعي .. ويتبرع بمعلومات شخصية جدا عن نفسه وعائلته وطريقة معيشته .. ماذا يأكل وماذا يشرب .. وماذا يلبس ..وماذا يحب وماذا يكره .. ويصور نفسه في اوضاع مختلفة في جميع ارجاء منزله وحتي لو كانت صورا كرتونية له ولأطفاله ..

واستطيع ان ازعم اليوم ..ان التكنولوجيا الحديثة فتحت لنا افاقا وابوابا فيها الكثير من جديد القيم والسلوكيات .. والمفاهيم الاجتماعية وامور اللياقة واللباقة والبروتوكول التي يجب ان نضعها علي بساط البحث والتحليل والنقاش ..

الا وهي..كيف .وماذا ومتي ومع من نستعرض حياتنا الخاصة ومتي نفرضها علي الاخرين عبر الواتس اب والفيسبوك وغيرها من وسائط التواصل الاجتماعي .. هذا الي جانب تبادل الكم الهائل من مقاطع الفيديو الجادة والهزلية والاخبار ..الفاضية والمليانة ..علي افتراض ان ما يعجبنا سيعجب الاخرين جميعهم ..متناسين ان هناك ميولات واحتياجات مختلفة من انسان الي اخر! !

واعود الي موضوع الفتة.. اعرف صديقا لي يمقت اكل الكوارع والراس مندي والسقط ..الخ.. وهي كلها ( اكلة.. من يحبها يسميها بالاطايب؟ ) وذلك لندرتها وغلو ثمنها ..اما صديقي فيتأفف منها ولا يستطيع ان يراها علي سفرة اكله. اسوق لكم هذا المثل لادلل لكم انه لو كان من يحب هذه الاطايب هو رئيس مجلس الادارة ..

وعميلك ممن لا يحبها ولا يستطيع ان يراها علي سفرة اكله .. وانه ممن يطلق الاحكام على الناس من منطلق ماذا يحبون وماذا يكرهون! ! وخصوصا اذا كان الذي يختلف عليه يشكل استنكارا واستفزازا واشمئزازا لاحد الطرفين فماذا يكون حكمه عليه مما قد يتسبب في نجاح الصفقة التجارية من عدمها. ؟!

صدقوني انني لا ابالغ ..فانا اطرح هذا الموضوع للنقاش ..والبحث لوضع الاطر التي تحكم القيم والمفاهيم والعادات الجديدة التي افرزتها تكنولوجيا العصر وافاق العولمة عبر الحدود ..والتي بالضرورة ان تضع الاعتبارات المهمة لخصوصية الانسان وحماية المنطقة العمياء في حياتنا ..سواءا كنا اطفالا ام كبارا ..اباءا او امهات وازواج ..او موظفين وعملاء ورجال بيع ..ام قادة ..او رؤساء. الخ ..

وحتي لا اتهم بالتسلط وفرض آرائي وقناعاتي فيما يختص بهذا الموضوع الجديد والملح …اعترف لكم انني لا املك الاجابة لهذه التساؤلات ..بل رغبت في فتح باب الحوار معكم للنقاش ودراسة موضوع القيم والسلوكيات الاجتماعية الجديدة حتي نكون جاهزين ومستعدين لتلقينها وتعليمها لاجيال المستقبل.

واخيرا ..اسمحوا لي ان اذكركم علي الدوام.. ان العالم يتغير .. وان علي صديقي ان يتغير وبسرعة ..ويأكل الاطايب .. فتة مقادم وراس مندي .. وسقط .. قبل ان تختفي من موائدنا.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *