الشيروفوبيا مرض من الأمراض النفسية التى تصيب الإنسان وتجعله فى عزلة تامة وخصام دائم مع السعادة ، فهو يخشى الفرح إعتقاداً منه بأن هناك أمر ما سيئ يعقب تلك المشاعر لذلك يرى أن تجنبه هو الحل الأسلم للنجاة بنفسه

قديماً كانت الشيروفوبيا مرض يسهل علاجه والتعامل معه ، حتى جُملة الأمراض النفسية كانت أسهل مما نحن عليه الأن فالإنسان كان يخشى الحيوانات المفترسة أو المرتفعات أو القلق الناجم عن ضغوط العمل أو حتى الخوف من المهرجين ، أما الأن وبعد رحلة طويلة من الصراعات والتمزقات فى مجتماعتنا العربية وبعدما أصبحت الشوارع ممزوجة بدماء الأبرياء أصبحنا نخشى السعادة نفسها ! أصابتنا الشيروفوبيا فى مقتل فقررنا التظاهر بالسعادة بعدما تحول ربيعنا لخريف وتبدلت الضحكات لنوح وعويل ، إزدهرت الخيانة ، الكذب ، إنعدم الطموح ، تبدلت الثقافات ، إنحدرت الأخلاق ، وصلنا إلى مرحلة متطورة من الخوف ، لدرجة جعلتنا نغبط على كل من يحاول إسعاد نفسه ، تحولنا لأداة للحروب والهدم ، النفور من السعادة أصبح أمر واجب على كل من حولنا حتى نتشارك فى مشاعر البؤس دون خوف من الشماتة

ليس بالضرورة أن يكون المصاب بالشيروفوبيا مصاب بإضطراب عقلى لكن التجارب المؤلمة الناتجة عن الصراعات بالدول العربية جعلتنا مرضى دون أن ندرك الفاجعة التى أصابت قلوبنا ، على سبيل المثال لا الحصر فى مصر عندما يضحك أحد بشدة يردد “اللهم إجعله خير” وكأنه على يقين بأن هناك أمرٌ ما سيئ سيحدث بعد قليل ، الخوف والقلق مما يخفيه القدر هاجس يمنع الإنسان من إستكمال حياته بشكل طبيعى ، فما وصلنا إليه لم يأتى من فراغ الدم أصبح العنوان الرئيسى فمن يطالع نشرات الأخبار صاحبة الجرعة الأكبر من الكآبة يجد العنف والدمار والقتل هو التقليدى بالأمر العراق ، ليبيا ، سوريا ، فلسطين ، اليمن ، كلها نماذج لدول تعيش التعاسة على أكمل وجه فأمنيات الأطفال التى كانت تتلخص فى سيارة أو دُمية تبدلت لتصبح سلاح ليحمى نفسه فقط من القتل على يد الأخرين

الأمر ليس مقتصر على الساحات السياسية وحسب حتى بالدول الأكثر إستقراراً بالنظر إلى أحوالها نجد أنه أصبح من السهل أن ندبر المكائد ونجتهد لشقاء الأخرين حولنا وتحولنا لأداة حروب بشكل غير مباشر ، فى الحرب العدو يجاهر بالعداء لنا لكن الحرب الداخلية التى نعيشها والأقنعة الكاذبة التى نرتديها لإيقاع الضرر على غيرنا أشرس وأشد وأقوى ، حتى بالدراما تخرج علينا العشرات من المسلسلات التى تحمل معانى دامية ومؤلمة لا تقبلها النفس السويّه ، الحزن أصبح هو الطبيعى والفرح أصبح أمر شاذ وصلنا لمرحلة أن نشفق على من هم أحسن منا حالاً !

حتى مع وجود خيارات للسعادة أمامنا أصبحنا نتجنبها وجعلناها من أول لأخر إهتماماتنا ، وإن تثنى لنا أن نسعد أنفسنا أسعدناها على إستحياء بسبب العيون المتربصة بنا ، ولن نذهب بعيداً فمواقع التواصل الإجتماعى تحولت لمنصة للشكاوى والآلام بدءاً بمنشورات تحريضية أو سب وقذف فى حق الأخرين والتحدث عنهم بما ليس فيهم إنتهاءاً بالحظر ، ذلك الزر الذى أصبح زِرً للسعادة والإنتصار لمن أزعجنا تواجده وسؤاله الدائم لأنه ببساطة يقطع علينا الإنطوائية التى نعيشها أو لنتخلص من حسد أحدهم الدائم لنا على حياة الرفاهية التى نعيشها فى الوقت الذى نقوم نحن بنشر تلك اللحظات ليشاركنا الأخرين بها !

من المضحكات المبكيات أن الفرح عند العرب تحول من حالة إلى مظهر كاذب ، الأفراح أو ليلة الزفاف التى يسعد بها قلب العروسين والإقبال على الحياة الجديدة المليئة بالطموحات والأمانى والأحلام التى كانت مؤجلة تحول من ليلة العمر إلى ليلة مُملة تقام فى أحد القاعات الفخمة وفستان عروس تكلف مبلغ وقدره وبنهاية الأمر تمضى حفلة الإستعراض بسلام فقط لإرضاء الحضور حتى لا يخرج أحد بتعليق يحط من قدر أسرة العروسين فالصورة الإجتماعية التى تبنى على أساس هذا الزفاف يجب أن تكون على أكمل وجه حتى وإن كانت على حساب سعادة الزوجين ، ولا يمانع الطرفين من أن حفل الزفاف يترتب عليه ديون ثقيلة جداً طالما أنه يحافظ على صورتهم أمام الأخرين

الشيروفوبيا أصابت القلوب حتى تعفنت ، فإن شاهدنا أحد المقاطع التى تحمل فضيحة لشخصٍ ما لوجدنا تفاعل غير مسبوق عليها ومساهمة كبيرة فى نشر الفضيحة قدر الإمكان حتى نشعر بإنتصار داخلى أننا ساهمنا فى صب الحزن والشقاء على أحدهم دون وجه حق ، أصبحنا نخشى السعادة ونُحرمها على الأخرين بل ونجتهد فى إخفاء أى مظاهر للفرح ظناً منا أن سعادتنا سنصاب بسببها بعيون الحساد ، وأن نجاحنا سيحاربه الأعداء ، أصبحنا نخشى قول الحقيقة فى وقت كثر به الباطل وتبدلت الموازين فقط لأننا نخشى أصحاب القرار ، حتى الحب أصبحنا نخشى الجهر به خوفاً من الفراق ! بالنهاية ما هى إلا سلبيات أقنعنا أنفسنا بأنها تحمينا من الألم الذى غرقنا بالأساس به ونحن بكامل قوانا العقلية دون أن ندرك

إذا كنت ممن يشعر بأن هناك مؤامرة كونيه ضده فأنت شخص مصاب بالشيروفوبيا ويجب أن تبحث عن علاج سريعاً لنفسك

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *