تجد نفسك مراجعاً لبنك أو إدارة حكومية. وطبعا تحرص أن تذهب اليها مبكراً، حتى يمكنك ان تنجز معاملتك باكراً لتعود من حيث أتيت، خاصة اذا كنت مثلي من كبار السن المرضى، وتضطر أحيانا قليلة لذلك، ورغم انك في بلادنا قل ان تجد من ينظر اليك بعين من يرى انه يجب ان يساعدك على قضاء حاجتك، ولكنك تتحامل على نفسك لتنجز عملا أتيت من أجله، ولكن الناس اذا اجتمعوا حتماً لن يظلوا صامتين، بل لابد ان يقضوا وقتهم في احاديث جماعية،

وتسمع لكثير – من هذه الاحاديث، وتجد غالبها لا نفع لمن ينطق به ولا من يستمع إليه، بل قد يحدث أن يقود الحديث الى اختلاف فترتفع الأصوات، وقد يقود الأمر أحياناً للاشتباك بالأيدي، قليلاً من هم الصالحون، الذين يقضون أوقات انتظارهم في فعل رائع يعود عليهم بنفع دنيوي، وأخروي، فكم يُؤجر عبد في مجامع الناس انصرف إلى ذكر الله، ولم يخض مع الخائضين فيما لا ينفع من الأحاديث، التي في كثير من الأحيان يترتب عليها من الآثام أعظمها.

إن العبد الذي يشغل كل وقته في قراءة علم ينتفع به، وبذكر لله يتقرب به الى خالقه، ان سار بسيارته في نزهة او دخل سوقا مضطراً لقضاء حوائج له، او ذهب الى طبيب وانتظر دوره، أو ذهب لإدارة حكومية لينجز معاملة واضطر للانتظار حتى يأتي دوره، إنها فراغات إن ملأها بذكر الله فهو الرابح، وان دخل مع الآخرين في هذر قد يقودهم الى وقوع في اعراض الخلق، فيفرطون في حسنات لهم جمعوها، ويهدونها الى من وقعوا في اعراضهم بكل سهولة، ورغم ان هذه حقيقة قد لا تغيب عن أذهان كثير من الناس الا أنهم لا يشغلون أوقاتهم بما ينفعهم، فغالب الناس انما يشغلونها بما يضرهم، دخلت قبل فترة مستشفى لإجراء فحوص أمر الأطباء بها للاطمئنان على حالتي

المرضية، وما ان استقر بي المقام على السرير الأبيض، حتى أتى الي أحد المرضى وسلم عليّ وأصر على معرفتي، فذكرت له اسمي، فلم يكفه ذلك، سألني عن قبيلتي ونسبي ووظيفتي وعدد أولادي، ولم تنته اسئلته، ولم استطع ان اطلب منه الصمت وكنت وقتها أعاني آلاماً، ولما رآني لا أتجاوب معه تركني، وسمعته يتحدث الى مريض آخر يشكوني إليه، ولو شغل المرضى في المستشفيات انفسهم بذكر الله والتلاوة والصلاة بحسب حالهم، وأقلها بالذكر الذي لا يكلفهم الا القليل والقليل جداً من تحريك اللسان، فإن عجز اللسان أن يتحرك فبالقلب،

ردد ذكراً لربه ودعاء فكان خيراً، وأنا على يقين، وعن تجربة أن هذا سيريحهم ويجعلهم أقرب الى خالقهم ويعينهم على تحمل آلام أمراضهم، فالله سادتي بنا رحيم، هو من سمى نفسه الرؤوف الرحيم، فاشتغالنا بطاعته وذكره خاصة من كان في سننا هو المكسب الأكبر لنا في أيامنا التي نقترب بها الى آخرتنا، وقد رأيت يوماً مريضاً قضى أياماً لا يتحدث وكل ما أراه منه، حركة شفاهه، واذا اقتربت منه سمعت ذكراً وترديداً لآيات الحفظ، وكان في أيامه الأخيرة، حتى رأيته وقد فاضت روحه وابتسامة تعلو شفتيه ظننتها من أثر ما يراه حوله من ترحيب به من ملائكة الله، وقد تاق الى لقائه، أسأل الله لي ولكم حسن الخاتمة وان يجعل خير أيامنا اليوم الذي نلقى ربنا فيه ، وهو ، بإذنه ، راض عنا، فاللهم اجعل سعادتنا في آخرتنا. إنك على كل شيء قدير.

ص ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *