حتى لا تتمزق مصر إلى ( أمصار)

• صالح المعيض

[ALIGN=LEFT][COLOR=blue]صالح المعيض[/COLOR][/ALIGN]

قبل عام تقريباً كتبت هنا مقالاً ولا أرى ما يمنع من العودة إليه حيث إن الأوضاع بدأت تأخذ مسلكاً عكسياً مخيفاً والشواهد كثيرة فكلما كانت الشعوب واعية وترسم طريقها وفق منهجية وخارطة واضحة كلما كان الأمن سائداً والعدل ديدناً والتنمية متواصلة، ويلاحظ في السنوات الأخيرة فوضى نارها تستعر تحت الرماد ، أحزاب تتطاحن وفتاوى تتوالد ودسائس تحاك وخيانات تثار وإعلام يقود المجتمعات إلى الهلاك وجماعات تحرض الشعوب وتعد بالعدالة وحينما تتولى تكون أدهى وأمر، وشرارة ذلك كما أشرت مراراً بدأت منذ الخمسينيات الميلادية من القرن الماضي ، وكانت حينذاك تتفرخ خلف إعلام رسمي متزن يختار الكلمة والبرنامج المتزن يقابله حينذاك أيضاً إعلام يرفع شعارات ثورية وصراخاً متشنجاً، وإن كان يؤخذ عليهما أحادية الرأي ، إلا أنه كان أهون بكثير من هذا الإعلام الأهوج الحالي الذي جلّ رسالته الفضائح وتصيد المواقف وصرف صكوك الجنان وتحريض الشعوب ليكون في الاخير جزءاً من المشاكل لا سبب في الحلول .
بدأت ثورات مايسمى بالربيع العربي التي يحاول البعض المبالغة في تلميعها بدأت من تونس بحالة انتحار ركز عليها الإعلام فخلق منها زلزالاً هز تونس في لحظات وتداعت معها بسرعة اركان النظام وترك الرئيس زين العابدين تونس لتظفر بأقل الخسائر ورحل بخيره وشره ، ثم أعقب ذلك احداث مصر العزيزة ، حاول النظام أن يؤكد ان مصر غير تونس فكانت على طريقتها اللهم فاقتها بالخسائر في الارواح والممتلكات وسلم الرئيس مبارك الرئاسة بنوع من الشجاعة والحكمة حتى وإن كانت تحت ضغوط ، ثم جاءت احداث اليمن لتستمر اطول مدة وأكثر ضجيجا ولكنها أكثر تعقلا وتوازناً ، وكان الرئيس موفقا والشعب أكثر توفيقا والجيران احرص على أمن ووحدة اليمن، رغم تبادل السباب والشتائم بين الاحزاب وشيئا من الدمار وأشياء من الضحايا ، لكن نية التوافق والحل السلمي كان رغبة الغالبية مما أسهم في انتقال السلطة سلميا ، حتى وإن بقيت شوائب مما يسمى بالمعارضة خلطت بين مفاهيم ومقاصد الثورة ونوازع الحقد وحب الانتقام.
ما حدث في تونس ومصر واليمن يؤكد حقيقة هامة وهي أن النظام كان في مصر وتونس معزولاً عن الشعب من خلال نافذين سخروا مقدرات الدولة لأنفسهم وعزلوا الرئيس عن الشعب وصوروا له الحال بخلاف الواقع ، ومع ذلك دفعوا ضريبة قاسية نتيجة ذلك ، ومواقفهم سواء بالرحيل او التنازل يسجل لهم لاعليهم ولا بد أن يؤخذ ذلك في الحسبان عند أي محاكمة ، اما بالنسبة للحال في اليمن فيختلف فعلا كثيرا عن تونس ومصر ، فاليمن شعب مسلح بالعتاد كما أثبت انه مسلح بالحكمة ( فالحكمة يمانية ) ثم دولة مقدراتها ضعيفة ولكن ايمان الشعب قوي ، والرئيس علي عبدالله صالح اثبتت الاحداث انه ملم بشعبه وناسه كثيرا ولم يكن معزولاً عنهم كما هو حال الرئيسين زين العابدين وحسني مبارك ، لذلك صبر وصمد لأنه يدرك أنه لو رحل او تنحى مع بدايات الأحداث لكن الوضع أكثر مأساوية ، و تعرض لحملات شعواء ومحاولات اغتيال نالت من جسده وأطرافه ومع ذلك بقي وفياً لليمن ، و سلم الرئاسة لخلفه وهو رافع الرأس.
كل ذلك يؤكد أن الرؤساء الثلاثة كانوا يديرون أنظمة وفي الأخير رحلوا ولاشك هنالك ضحايا لكن ذلك ضريبة طبيعية لأي ثورة ، ويجب أن نعمل على اخذ تلك الثورات الى المسارات الصحيحة لأن من انقلبوا على تلك الحكومات يظهر أنهم استحسنوا نهج الفوضى والتصفيات حتى بعد الرحيل ، ولم اتطرق هنا للعصابات التي طحنت شعوبها في ليبيا وسوريا لأن اولئك أثبتوا انهم لم يكونوا رؤساء بقدر ما هم عصابات إجرامية محترفة، فرحل معمر في وسط بالوعة اكرمكم الله ومن يدري عن رحيل بشار ومن سار على نهجه .
اليوم في مصر وتونس الوضع للأسف وبكل مرارة أخطر من سابقه ، والتحول من مصر إلى (امصار) وهذا ماي لوح في الأفق وكأنه ممنهج ، وهنا تكمن المصيبة الكبرى فالمقدمات توحي بالنتائج المتوقعة فما حدث في سيناء من كوارث وتوارد الإشاعات حول تجهيزها لفلسطينيي غزة وما يحدث الآن في السويس والاسماعيلية وبورسعيد وما يشاع انها قد خضعت لصكوك الاستثمار ،وتهميش دور الشرطة والدور على الجيش والتغول على القضاء ودولة المؤسسات فعلاً يجعل إلاشاعات تتحول الى شكوك مثيرة ومخيفة في ذات الوقت ما لم يدرك الرئيس مرسي ان مصر لم تعد كما كانت في عهد مبارك بل مهددة اليوم بأن تكون أمصاراً. كان الله في عون مصر أرض الكنانة وشعبها الوفي الأصيل . هذا وبالله التوفيق.
جدة ص ب ـ 8894 ـ فاكس ـ 6917993

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *