سيداتي وسادتي ..ننقل اليكم حفلنا الساهر الليلة من.. دار سينما عابدين .. بجدة ..وذلك تيمنا باسمي زين العابدين.
تذكرت هذه الامنية التي كانت تصاحبني وأنا طفل أؤدي دور المذيع وامامي صندوق خشبي وضعت فيه جرسا ليعلن دقات الساعة لاذاعة الاخبار.. ووضعت راديو صغير لاذاعة الاغاني منه وبعض الادوات الصغيرة التي تنتج مؤثرات صوتية قريبة من شوشرة الراديو. وكبرت ..وكبرت احلامي ..ولكن لم تتحقق امنيتي بانشاء دار سينما عابدين ..

تذكرت كل ذلك وانا ابحث في اليوتيوب لاستمع الى احدى اغاني كوكب الشرق السيدة ام كلثوم .. وداهمني صوت مقدم الحفل الشجي الراحل الاستاذ جلال معوض وهو يصف مايدور في القاعة قبل رفع الستار.. وقال:
“سيداتي وسادتي ..آن لليلة أن تكتمل وتبلغ الذروة.. نشوة ..وسحرا وجمالا .. والفن يسجل الليلة قمة القمة وغاية ابداعه”.

وواصل حديثه قائلا “ايها السادة ..ومن ضيوف حفل الليلة الذين حضروا للاستمتاع لشدو ام كلثوم ..المطربتان العربيتان ..عليا التونسية.. ونعيمة المغربية ..وبحضور اثنتين من بلدين عربيين لهذا الحفل الساهر ..انما يؤكد فكرة ..ويؤكد مبدأ ..ويؤكد حقيقة قائمة .. الا وهي الوحدة العربية .. امل كل الشعوب العربية .. فاتحادهم امل وهدف ..وغاية .. والان نستمع الى دقات المسرح التقليدية ..ايذانا برفع الستار عن كوكب الشرق وفرقتها الموسيقية من خلفها” ..الخ.. وانفرج الستار وصفق الجمهور مرحبا بسيدة الغناء العربي ..

وفجأة انقطع تواصلي بشدو الغناء واخذت اقارن الماضي بالحاضر ..فنحن لا زلنا كما نحن بعد كل هذه السنين .. لم نحقق ما نريد من وحدتنا العربية ..

كنا نعتقد ان حضور حفلات كوكب الشرق كافيا ومعبرا عن وحدتنا العربية ولكن .. تغير الزمان ..وتغير المكان .. وتغيرت الاحوال ..وتغير الانسان ..ولكن فكرنا ..ومفاهيمنا ..وثقافتنا لم تتغير.

فلا زالت موسيقانا كما هي ..فقيرة عمادها الاغنية دائما .. وآلاتنا الموسيقية محصورة في التخت الشرقي القديم ..دون تطوير او اضافات .. مسارحنا محدودة العدد والمساحة والامكانات .. تفتقر الى تقنيات الصوت والضوء والابهار والاهم من كل ذلك النصوص المسرحية الراقية التي تعكس قضايا المجتمع .. واعمالنا الموسيقية لا زالت محصورة في الشعبيات والتراث ..

ولم نطورها حتي ترتقي وتسموا بذائقة الشباب المنفتحة على موسيقى العالم والشعوب المتطورة .. وفوق كل هذا.. منعنا تدريس الموسيقى في مدارسنا .. ولم نهتم بالنشاط المسرحي المدرسي ..ولا يوجد لدينا انتاج موسيقي او سينمائي ..ولا توجد قاعات سينما .. ولا اوركسترات متكاملة ولا معاهد موسيقى..

يا سادة المسرح في كل العصور السابقة والحديثة يعتبر مرآة تعكس التطور الاجتماعي للشعوب .. ويعالج قضاياها بكل الابعاد الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتراثية ..ومدي ارتباطها بالموروث من القيم السائدة والمتغيرة نتيجة التطور والتحديث واثر ذلك علي سلوك البشر.

لا زال المسرح العالمي متماسكا وقويا بالرغم من المنافسة الشرسة التي تولدت نتيجة تطور السينما وتقنياتها وابهار البرامج التلفزيونية ومسلسلاته.الا انني ارى ان هناك تكاملا وظيفيا لهذا الثلاثي في تقدم الشعوب والمجتمعات. لذلك لا بد من بذل جهد ممنهج ومنظم ومدروس لارساء قاعدة مسرحية متطورة وان يرافق ذلك صناعة سينمائية راقية تعكس نهضة المجتمع وكبواته وتناقش مشكلاته وتضع الحلول الذكية الواقعية لمعالجتها.

أما الموسيقى فلم تعد فناً يقصد به التطريب واللهو والتمايل يمنة ويسرة والرقص على ايقاعاتها ..بل هي انعكاس لثقافة المجتمعات وهي القوة الدافعة لتطور الذوق العام ورقيه .. بل ذهبت الى اكثر من ذلك في ان لها وظائف حسية ووجدانية مثبتة علميا في معالجة المرضى .. واضفاء السكينة والهدوء الى النفس البشرية.

فلو كان هذا الثلاثي متواجدا بيننا لكانت مجتمعاتنا اليوم اكثر رقيا.. وسلاما .. وتسامحا.. ونبذا للارهاب والفكر الضلالي.

اتمني ان نعيد النظر في كثير من مفاهيمنا واحكامنا الخاصة بفنون المسرح والموسيقى والسينما..والتي كانت مبنية علي مفاهيم الفلسفة الفكرية النظرية..لا على المعرفة العلمية المبنية على البحث والتقصي والتجربة ورصد النتائج.
إن العالم تغير..

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *