تعثر المشاريع اصبح القاعدة
اود اليوم أن اتناول موضوعا مهما ويشكل هما وطنيا كبيرا ، وهاجسا اصبح مؤرقا و له ابعاد مستقبلية خطيرة . ففي فترة مايسمى بالطفرة الأولى قبل اربعة عقود تقريبا عملت في مؤسسات وشركات تعمل في مجال المقاولات المعمارية والتعهدات الحكومية كإداري مشاريع وإمدادات تحت التنفيذ . اشرفت خلالها على تنفيذ العديد من المشاريع الكبرى وتعهدات توريد في كل من منطقة عسير ومنطقة الباحة ومنطقة مكة المكرمة ومنطقة المدينة المنورة ومنطقة الحدود الشمالية والمنطقة الشرقية ومنطقة تبوك . منها مطارات ومباني محاكم وادارات تعليم ومراكز تنمية ومدارس ومدن ترفيهية. ولست هنا بصدد سرد ذلك من اجل التعداد ، لكن ما دعاني الى ذلك هو ما لفت نظري أن تلك المشاريع جميعها وقد تجاوزت المائة مشروع لم يتعثر ولله الحمد منها مشروع واحد ، وإن تعثر فالاسباب تعود للجهة الحكومية المالكة للمشروع . ولكنها في النهاية تنجز وتسلم . مع خطاب شكر وشهادة تميز.
وهذا كان هو الحال السائد لجميع المؤسسات والشركات حيث المشاريع لم تكن ترسى إلا وفق ضوابط محّكمة وعقود صارمة تكفل حقوق الدولة وإن كان فيها قسوة على المقاول حيث انه يعتبر الطرف الاضعف إلا أن ذلك كان يهون لأنه يصب بالتالي في سبيل الصالح العام , كان المقاول مقابل ذلك حريصا على إنجاز الاعمال وفق جداول التنفيذ المرسومة من قبل الجهات المالكة تصل إلى حد انه يرفع برقية للجهة المالكة قبل شهر من إنتهاء الموعد المحدد لتسليم المشروع يطلب لجنة إستلام بدائي ويخلي مسئوليته عن أي تأخير خوفا من الجزاءات الصارمة التي قد يتعرض لها في حالة التأخير منها حرمانه من المشاريع المستقبلية وربما شطب سجله . عكس مانراه اليوم فمعظم المشاريع الحكومية متعثرة ولا تسلم في مواعيدها . ولعل وزارة النقل ووزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم خير شاهد على ذلك.
فرغم كثرة المشاريع وارتفاع اسعار العروض وتسهيل الترسية إلا ان التعثر هو السائد وبصورة لافته وخطيرة على وضع وحال كثير من المشاريع . حيث اصبحت الجهات الحكومية هي الطرف الاضعف فأصبح هنالك تهاون واضح ومتفشٍ وكذلك إرساء أكثر من مشروع على مقاولين لم يثبتوا جدارتهم بل تحت مسؤلياتهم مشاريع متعثرة من قبل . ولعل مما يسهم في ذلك التعثر وعدم مبالاة المقاول أن الغرامة 10% وغالبا مايكون قد صرف المقاول اضعافها . إذا هو الكسبان وبعض الجهات المالكة صامته لا حلول ولا محاولة لتلافي ذلك مستقبلا . ولا يبدو ان هنالك مساعي لمحاولة معالجة تعثر المشاريع حتى اصبح التعثر هو القاعدة والإنجاز هو الشاذ . ولو اردت إستطراد اسماء بعض من تلك المشاريع لأحتجت إلى آله حاسبة كي تساعدني على الاقل في الحصر الأكيد دون مبالغة . ولكن اكتفي بماورد عبر صحيفة الاقتصادية بالعدد 7574عن محافظة واحدة ومالك واحد (حيث افادت مصادر لـ”الاقتصادية” عن تأخر تسليم نحو 90 في المائة من مشاريع وزارة التربية والتعليم في جدة، حيث يصل التأخر في تسليم بعض مشاريع الوزارة لأكثر من ستة أعوام، فيما تصل مدة تعثر أقرب مشروع إلى عامين ونصف العام، وتبلغ تكلفة تلك المشاريع المتأخرة أكثر من 243.313 مليون ريال).
لقد احسنت بعض امارات المناطق حينما اشترطت وضع لوحات أكترونية على مشاريع المنطقة توضح قيمة العقد ومدته وتاريخ المباشرة وتاريخ الإنتهاء . وحينما وجد مع مرور الآيام أن ذلك لا يتوافق وحقيقة ما على الارض وانه سبب حرجا للجميع تم الغاؤه او على الاقل إيقاف العمل به ولم يعد شارع او حي إلا وبه مشاريع متعثرة ومقاول همه كسب مشاريع أخرى تزيد من قائمة المشاريع المتعثرة مستقبلا .
لذلك ارى أن على وزارة المالية البحث عن حلول جذرية وعاجلة للمشكلة لأن تعثر تلك المشاريع فيه إضرار بالمواطنين خصوصا مشاريع وزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم . ولعلنا نلمس تلك الحلول قريبا فقد بلغ السيل الزبى واصبح المقاول المنجز عملة نادرة هذا وبالله التوفيق.
جدة ص ب ـ 8894 فاكس 6917993
التصنيف: