بن جدلان.. ومواقف الخذلان

• صالح المعيض

صالح المعيض
لا غرابة إذا قلت أن (شموخ الصايرة وشعر بن جدلان) اراهما توأمان على الأقل منذ أدركت تبصر الأشياء . اراهما واسمع بهما ، الصايرة (الجبل الشامخ الأكثر بياضا في الجزيرة العربية) تربطي به علاقة صبا ومساحة رحلة 20 عاما مع بداية حياتي حيث كانت دارنا في الروشن اقرب دار للصايرة إذ تقع أقصى جنوب الروشن عاصمة محافظة بيشة وقلبها النابض ، أي بجوار مقر إدارة التعليم الحالي ، ولا يفصل بين الدار والصايرة سوى فضاء مسكون بشتى الصور الذهنية المتراكمة واللوحات الأكثر إبداعا عند من يريد أن يسبر اغوار جمالها خصوصا هذه الأيام التي غسلها المطر وزادها مهابة وجمالا ورسم من حولها غدرانا وانهارا، والشاعر/ سعد بن جدلان المغفور له بإذن الله ، تعرفت عليه في بداية التسعينات عند أخي علي بن صمهود ،رحمة الله عليه، في محله التجاري ، حينما كان يمازحني ويقول سمع عمك سعد شعرك (ياصالح) وكنت يومها لست ببعيد من الشاعر (عايض . طيب الذكر) ومع ذلك جاملني بعاطفته وشجعني بطيبته وعمق شاعريته ، كان لقاء أو لقائين ، لأن الشاعر بن جدلان كان كثير الاسفار ولا يأتي بيشة حينها إلا في الإجازات ، لكن إقترن الشعر العربي عندي من البدايات آنذاك بالمتنبي للفصيح وبن جدلان للشعبي ، ومن أنا حتى تسمع شهادتي أمام هذا المبدع ،رحمه الله ، لكن خواطر تستدعيها بداية الحديث.
ودعت في الأسبوع قبل الماضي بيشة بحزن وأسى مع ايمان بقضاء الله وقدره فارس الشعر بل ملكه ومروض القصيد وصائد الفرائد الشاعر / سعد بن جدلان الأكلبي نسأل الله أن يتغمده بواسع رحماته ويسكنه فسيح جنانه ، عاش شاعر يترجم مشاعره شعرا بعيدا عن الساحات وضجيج الإعلام ، لكنه في العشر السنوات الأخيرة ومع ظهور القنوات الفضائية ، وجدت في ابن جدلان ضالتها ، ووجدت في كنانته الكثير من الإبداع الشعري والعطاء الشاعري ، فشدت الرحال تطارده حيث أبدع في كل مجالات الشعر دون مبالغة أو إسفاف وكان يوظف الجمل الإبداعية فيما جعل شعره مميزا تهواه القلوب وتردده الألسن حتى انك لتجد القصيدة كتابا متكامل الأبواب والفصول بل وتجد في كل بيت قصيدة وتتحسس شمولية على جميع لهجات الجزيرة والخليج ، تزينت معه شاشات الفضائيات وصفحات الصحف والمجلات واصوات المنشدين ، بل حتى منابر الخطب كان لأبيات الحكمة والزهد مساحة مع كثير من الخطباء ، وتنوعت قصائده العذبة الإبداعية في الوصف والحكمة والتقى وتلمس هموم الإنسان ، حيث يجد كل متذوق للشعر نفسه في قصائد ابن جدلان، رحمه الله ، ومع كل ذلك لم يتغير ولم تخذله شاعريته ولم يقترب من الغرور ولم يفعل ما فعل غيره ممن إنزلق به شعره إلى مزالق التوهان ، بل كان محافظا ذو خلق عال طاف دول الخليج وعجت قاعات وساحات مناشطه بالآلاف من المعجبين ، بل حتى أن كثيرا من الشعراء والنقاد وصفوا بعض قصائده بأنها كانت نادرة ومميزة يصعب على كبار الشعراء مجاراتها ولم يكن هنالك شاعر أو ناقد أو مثقف عام في الخليج العربي إلا واثنى عليه ، ولم يكن هنالك محفل أو مسابقة شعرية إلا وخطبت وده وتعشمت تواجده، ومع ذلك بقي ابن جدلان يمثل الشاعر الطاهر النقي بإذن الله، رحمه الله، مع صادق تعازينا لأسرته وذويه وانفسنا كمحبيه ..
خاطرة .. لقد نعيت الراحل الكبير الشاعر / سعد بن جدلان رحمه الله رحمة الأبرار في مقال سابق ، ومهما كتبت عن هذه القامة الشعرية لن أوفيه حقه.
وقفة حزن .. غاب عن الحدث والمواساة مؤسساتنا الثقافية سواء في عسير أو خارجها ، وتوافد بكل تواضع ولطف وزراء ومثقفون خليجيون إلى بيشة للعزاء ، وسجل التلفزيون بكل قنواته غيابا بما فيها القناة الثقافية التي تعيش في قمقم الخمول.
حزن على حزن .. لن اناشد محافظة بيشة ولا مجالسها تكريمه ، فماذا عسى ينفع تكريم من تغاضى عن تكريم من كان احق بالتكريم من الذوات وابناء الذوات . وهل نرى مستقبلا من يبادر إلى جمع شعره وسيرته ومقالات النعي التي عجت بها الصحف والمؤسسات الثقافية الخليجية؟!.
وهل نسمع عن قاعة باسمه في إحدى مؤسساتنا التعليمية والثقافية ؟! أم تبقى أسئلة تراوح بين كل شفاة ، وإلى متى تبقى رموزنا الثقافية التي لم تبهرها الفلاشات بين مطرقة مسلسل الخذلان وسندان زامر الحي لايطرب.هذا وبالله التوفيق.
جدة ص ب ـ 8894 تويتر : saleh1958

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *