الوسطية والاعتدال الأصل في فهم الإسلام

• عبدالله فراج الشريف

قد يتصور البعض أن الوسطية والاعتدال شيء مغاير أصلاً للإسلام، الدين الحنيف الذي ارسل الله به إمام الرسل وخاتم النبيين – محمد – صلى الله عليه وسلم – وأننا حينما ندعو إليها فإنما نريد أن نجمل ديننا. مع أن الوسطية هي جوهر هذا الدين الحنيف، فربنا عز وجل يقول في حكمة كتابه: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً)، والاعتدال قرين الوسطية لا يفترق عنها بحال، وهو المضاد تماماً للغلو والتشدد اللذان نهى الله عنهما وحذر منهما، ففد حذر الله من قبلنا اهل الكتاب من الغلو في الدين ومجاوزة الحد فيه فقال عز وجل: (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق) وحذرنا منه فقال سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم : (هلك المتنطعون .. قالها ثلاثاً) والمتنطعون هم الغالون المتجاوزون الحدود في أقوالهم وافعالهم، لذا قال – صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد الا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا). ودعانا الى الرفق فقال عليه الصلاة والسلام: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه). وكان سيدنا رسول الله عليه والصلاة والسلام ما خير بين امرين الا وأختار أيسرهما ليعطينا القدوة بفعله صلى الله عليه وسلم وهي أرفع مقامات القدوة عليه أفضل الصلاة والتسليم، وما ضعفنا كأمة الا يوم ظهر بيننا الغلاة في الدين المتشددون في أحكامه، وما قادهم اليه من تكفير الامة حكاماً ومحكومين، عامة وخاصة، ثم سلت السيوف بينهم فاقتتلوا .. وما نراه اليوم في بعض اقطارنا مما أسميناه الارهاب ما هو الا ظاهرة لتنكب الامة لأهم مبادئ دينها الوسطية والاعتدال، فأول نتيجة للغلو والتشدد هو التكفير المنتج للتفجير والقتل والتدمير، والذي عم بعض أقطار المسلمين ولم يستطيعوا التخلص منه حتى اليوم، وهو الامر الذي صرفنا عن اهم ما دعانا اليه ديننا الحنيف من الحفاظ على مصالح الدنيا والدين، لنكون الامة الاقوى القادرة على المنافسة في حضارة إنسانية نبنيها على العدل والانصاف وقبل ذلك على الحق واستغرقنا هذا الغلو حتى لم يبق في أيدينا من معالم ديننا الناهض بالحياة شيئاً، حتى ظن بعض المسلمين : ان الإسلام دين الموت لا الحياة، وأقدم صغار السن من أبنائنا الى تفجير انفسهم في مجامع الناس ظناً منهم او كما قيل لهم : أن هذا هو الجهاد الذي دعا اليه الإسلام، ومن تجول اليوم في بعض اقطارنا التي مرت بها موجات القتل والتدمير هذه ادرك ان من ترك الاعتدال والوسطية في فهم الإسلام مرق من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لانه حتماً إنما تركها لينتقل الى العند فغلا وتشدد وقتل ودمر، فأفسد حياته وحياة الاخرين، وهذا طريق الذي إذا سار فيه الانسان صعب عليه ان يعود منه الى الحق فقد أسس في نفسه عداوة وبغضاء لسائر الخلق، واصبحوا له أعداء طلبا للنجاة مما يهددهم به كل يوم ولعلنا يوم تتبعنا سير وأحوال من سلكوا هذا الطريق ادركنا يقينا انهم قضوا على حياتهم بأيديهم، ووجب علينا ان نواجه فكرياً الداعين لهذا الطريق والسالكين له مع عدم اغفال ردعهم أمنياً، فهم العدو الذي لن يقضي على حياة افراد منا فقط، بل هو يسعى للقضاء على ديننا بالباسه ثوب العداء للإنسانية كلها وما هو كذلك ولا تجد في احكامه ومبادئه وغاياته شيء من هذا فلنتعاون على هذا حتى لا يبقى في ديار الإسلام من يدعو الى الموت المجاني ونحن احياء، ان هذا الدين غال على انفسنا نفتديه بأرواحنا. فلا نترك أحد يعبث به ويصوره لنا وللعالم من حولنا على غير حقيقته، ويدعو الناس بفعاله لكرهته وكراهية الدين معاً، ونحن وديننا منه براء، فهل نفعل هو ما نرجو والله ولي التوفيق.

ص ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043

[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *