الماسية .. وساقودانة …

وانا أهنئ احد اصدقائي بمقدم شهر رمضان المبارك ..دار بيننا حديث الذكريات الرمضانية ايام طفولتنا وشبابنا ..وكيف كانت امهاتنا مبدعات في اضفاء روحا مختلفة علي المنزل – برغم من ضيق ذات اليد – يسوده الفرحة والتفاني في جعل كل شئ جميلا حتى رائحة المنزل في مغرب كل يوم .. حيث بخور المستكا يعبق المكان ..واعداد طعام الافطار التقليدي الشهير ..شربة الحب والسمبوسك وطبق الفول وسمك السيجان المقلي والارز الابيض في السحور كل ذلك يتكرر علي مدي الثلاثين يوما من شهر رمضان .. وقلت لصديقي هل تذكر الاطباق الحلوة .. التطلي ..والساقودانة فقاطعني وقال لي كيف نسيت الالماسية؟ وهنا ضحكت بصوت عال فسألني ما المضحك في الامر ..فقلت له حاجة تكسف ..؟! فأصر علي ان احكي له سبب ضحكي ..
في بداية حياتي الوظيفية ذهبت الي القاهرة في رحلة عمل ( حيث كنت مدربا) وفي رفقة اخي الراحل فريد عبدالباقي .. وهناك احب مدير فرع السعودية الاستاذ عبدالرحمن المقبل .. ان يحتفي بنا – وللامانة لم تكن بيننا سابق معرفة ولكن يسود علاقاتنا في المؤسسة آن ذاك الحب والتقدير والاحترام – وكان كريما حيث اقام الاحتفال في احد افخم فنادق القاهرة وعند وصولنا وجدنا جمعا غفيرا من موظفي ومدراء المحطة..ومدراء شركات الطيران .. ووكلاء السفر والسياحة.. وبعض من مسؤولي الطيران المدني . وكانت مأدبة عشاء فاخرة عليها ما لذ وطاب من الطعام ..وبعد الانتهاء من تناول الطعام وقبل خدمة الاطباق الحلوة اضطررت ان استأذن لترك مكاني لدقائق ثم اعود .. وعند عودتي وجدت الجميع في انتظاري وامامهم سلطانية – زبدية – وبداخلها مادة شفافة سائلة وعليها وردة صغيرة .. ؟! وعلي الفور تذكرت الالماسية التي كانت تصنعها والدتي فقط في ايام رمضان ..وعجبت لذلك لاننا لسنا في شهر رمضان ..الا انني اخذت ملعقة الحلا وهممت علي ان اضعها داخل الزبدية لالتهام ما اعتقدت انه ( الماسية) ولكن ربنا لطف وجاءت عيني علي مضيفي ووجدته يضع اصابعه داخل الزبدية ليغسلها ..وكانت هذه بالنسبة لي مفاجأة وتجربة جديدة لم نتلقاها اثناء اعدادنا وتدريبنا قبل دخول معترك الحياة العملية ..ورمقت اخي فريد بنظرة وابتسامة لانه هو ايضا كاد ان يفعل الشئ نفسه لكن الستار هو المولي عز وجل . ومن يومها اعطيت جل اهتمامي في تدريس الايتيكيت والبروتوكول وعملت علي بثهما لابنائ وطلبتي ولكل من هو قريب من اصدقائ ويتقبل النصيحة .
ولكن العالم يتغير ..وتغيرت الكثير من مفاهيم السلوك والاتيكيت والبروتوكول التي تعودناها تحكم سلوكنا ولا تقتصر على الاكل والشرب واللبس فقط ..بل علي ما افرزته التكنولوجيا من متطلبات السلوكيات في التعامل ..حيث ان معظم تعاملاتنا تتم عن طريق التواصل التكنولوجي وعبر الوسائط الاجتماعية دون اللقاءات والمواجهات وان هناك سلوكيات كونية عبرت الحدود ووصلتنا فلا بد من تفهمها وتعلمها احتراما لمن يتعاملون معنا عبر الكرة الارضية.
عزيزي القارئ ..كما تعلم ان هناك قوي سحرية عاتية تعمل علي تشكيل المستقبل وتؤثر علي سلوك البشر وهي .. الافكار .. والمعلومات .. والتكنولوجيا.. والاتصالات ..فكل تطور يطرأ علي احد هذه العوامل مجتمعة ام منفردة سوف تؤثر حتما علي مشاعر البشر وانفعالاتهم وسلوكهم عبر الحدود الكونية ..واليك بعض الامثلة على ما اقصد ..
* اصول التعامل السلوكي مع البريد الالكتروني
* طريقة التحدث في الهاتف في الاماكن العامة والمطاعم والطائرات والمستشفيات
* اصول الدردشة والمرونه في قبول الاخرين وافكارهم واراؤهم
* متي وكيف ننسحب اونخرج من مجموعات الدردشة وكيف نقفل الوسائط عندما تسبب لنا ازعاجا
* اصول لبس الازياء الحديثة في المناسبات المتعددة والمختلفة.
* تنوع الطعام وتعدد مشاربه فرض علينا طرقا واساليب لتناوله بادواته المختلفة
* اكتساب مهارات الذكاء العاطفي واجادتها في تعاملنا مع الاخرين …الخ.
هذا قليل جدا .. من كثير ..ولكن كي ابرهن لك عن اهمية الموضوع اسوق لك المثل الانجليزي التالي :
انت تستطيع ان تصطاد كل الذباب بقطرة عسل واحدة .. وينفرون منك اذا وضعت لهم قطرات الخل .

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *