الكتابة الصحفية لا تعني السباب
لا أحد يشك ابدا ان الكتابة الصحفية موهبة جليلة القدر عند من يقدرها حق قدرها، وهي أداة لابداء الرأي الحر النزيه، القائم على معرفة حقيقية ومعلومات صحيحة وموثوقة، وليست حتماً تنظيراً ايديولوجياً أبداً، ولا حشر أفكار متناقضة وانما المقال يناقش قضية تهم القراء، الذين هم اصلا مواطنون يهمهم ألا ترى أعينهم سباً لأحد أو شتماً، مما يجري على الألسنة لدى فئة من الناس لا تهتم بأدب حوار ولا قواعد أخلاق، والمقال الصحفي اما أن يكون خالياً من كل هذا، ومتميزاً بطرح موضوع حيوي يهم الناس أو جلهم، ويعتمد على طرج الرؤى عنه في قالب وصياغة صحفية ناجحة، أقبل عليه القراء ويتساءلون عن غيابه إذا غاب مضطراً، اما ان تتشابه مقالات الصحف، فتطرح موضوعاً واحداً النظرة اليه متشابهة والمستخدم فيها ألفاظ متقاربة، فهذا ما يجعل جل القراء يمرون على مقالات الصحف سريعاً لينتقوا مقالاً واحداً، أو مقالين يقرؤنهما، لان عنوانهما اختلف عن بقية العناوين فان وجدوه مشبعاً لهم قرأوا لكاتبه بعد ذلك، واذا وجدوه لا يختلف عن غيره اعرضوا عنه، اما ان يضمن الكاتب مقاله سباً أو شتماً لمن يختلف معه سواء أكان فرداً أو جماعة أو حتى دولة فهو ينبئ عن ضعف بنية ثقافية، فلو كان واثقاً مما يطرح من فكرة لما احتاج الى هذا الاسلوب والمتتبعون للصحف يدركون ان استعمال هذا الاسلوب فيها سواء أكان في المقالات أو التحقيقات او التحليلات يصرف الناس عنها سريعا، ولعل مثل هذا هو الخطأ القاتل، الذي لا يجعل على الكاتب اقبالا على الصحيفة من قبل القراء ولا أزال أذكر ان بعض صحفنا العربية كانت تلفت نظر القراء العرب اليها على مدى الزمان منذ صدورها وحتى يظهر فيها مثل هذا الاسلوب فاذا بها تتراجع يوماً بعد يوم حتى تموت، وهذا عندما كان العرب لا يزالون يمارسون النهوض بأوطانهم فلما كفوا عن هذا اصبحت بالنسبة لهم الصحف سفراً يأكلون عليها لانها أكثر صفحات وأقل سعراً من السفر المصنوعة من الورق أو النايلون، وكفوا عن الاهتمام حتى بالثقافة ولم يعودوا يفرقون بين الجيد والرديء مما يعرض عليهم من ألوان هذه الثقافة، وانحصر الكثيرون منهم في متابعة القنوات الفضائية التي تعرض كماً هائلاً من الاغاني والمسلسلات التي دون المستوى من الناحية المعرفية واللغوية، بل وقد تصطبغ بكثير من الاحيان لتجاوزات اخلاقية رديئة، واصبحنا في مجتمعات عربية لا يقرأ من افرادها الا القلة القادرة منهم، وان اشترى الفرد الكتاب سخروا منه، فهو يضيع ماله ووقته فيما لا مردود له، لهذا فاننا نلحظ التدهور الاخلاقي في كثير من مجتمعاتنا العربية هو السائد حتى انك اذا تابعت القنوات التلفزيونية في الكثير منها ستجد برامج للرد خاصة في البرامج الحوارية، او ما اسموه “التوك شو” والتي اذا شاهدت أياًَ منها فانك لن تزيد على دقائق معدودة حتى تغير القناة، فتجد نفسك غير قادر على متابعة المشاهدة، والمتحدثون غالباً اخطاؤهم في اللغة تنم عن لا صلة لهم بعلومها، وان تحدثوا بالعامية اغرقوا انفسهم في أسوأ ألفاظها مما تنفر منه الاسماع، اما المحتوى فحدث ولا حرج تناقضات لا حصر لها واخطاء معلوماتية حتى عن ابسط الاشياء، واما ان يثور خلاف بين المتحاورين فلن تستطيع الاصغاء اليهم، فكل قاموس السباب والشتائم والهجاء يستحضر، وقد ينتهي الحوار بما لا تحمد عقباه، ونأسى على زمان تولى، كان فيه مثقفون كبار يملأون ساحات الانتاج الثقافي فكرياً وأدبياً وفنياً، ونحزن الى ما آلت اليه أمور العرب بعد زمان ربيعهم المزعوم وان كان التدهور قد بدأ قبله لكنه تصارع معه ولم يتوقف حتى اليوم، فهل لدى مثقفي العرب خطة لانقاذ ثقافتهم هو ما ارجوه والله ولي التوفيق.
ص. ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043
التصنيف: